نورس البريجة: خالد الخضري
1 – الملك الحسن الثاني ساهم في إنتاج أفلام تاريخية
“هل يكون مسلسل فتح الأندلس فاتحة خير على المغرب والمغاربة، فتطلق الأجهزة المعنية السيولة لتمويل مثل هذه المسلسلات والأفلام الضخمة عن تاريخ المغرب الضخم، وعن تراثه الزاخر والزاهر، بما يمكن، في كل موضوع منفرد، أن يشكل مسلسلات من ثلاثين حلقة؟”
بهذ الفقرة المهمة أو بالأحرى السؤال الوجيه الذي صاغه الصديق والزميل أبو القاسم الشبري في صفحته الفايسبوكية اليوم في مقال تحت عنوان: “عن القيل والقال، في مسلسل فتح الأندلس، وما رافقه من جدال وسجال” أعبر أولا عن اتفاقي الكامل عن مجمل ما ورد في المقال، إلا أنه لدي تحفظ بخصوص تساؤله “أين كانت أجهزتنا الرسمية يوم كان العرب يكتبون مسلسل فتح الأندلس، كي يدرجوا واحدا أو اثنين من مؤرخينا في خلية كتابة السيناريو أو في المراجعة التاريخية المعمول بها في كل كتاب أو عمل فني”؟
وتحفظي هذا يرد بدوره على شكل سؤال: كيف لأجهزتنا أو أي جهاز استخباري أن يعلم بخلية الكتابة هذه ليفرض أو يدس شخصا من بلده وسطها اللهم إلا إذا ضمت جاسوسا أو مخبرا يبلِّغ عنها؟ فباستثناء تساؤلك الشارد هذا أخي الشبري، أنا معك في بقية مقالك حرفا بحرف. بل أضم صوتي للتعبير عن استعدادي للانضمام إليك في كتابة سيناريو فتح البريجة / الجديدة.. وهو حلم يروادني منذ سنوات، بل سطرت حتى “ماكيتته” أو لنقل تصميمه الخارجي، وصدقني أنني فكرت فيك للتعاون بشأن هذا العمل .. لكن….
لكن “الإنتاج” أين هو؟ وكيف هو؟ المشكل ليس لدينا في كُتّاب السيناريو ولا المؤرخين والباحثين ولا المخرجين أو الممثلين… المشكل مشكل “مادي” بحث وعقلية أكتفي فقط بوصفها أنا “مقصرة” جدا في التعامل مع الأعمال التاريخية. أقول هذا من موقع السيناريست، الباحث والمجرب أيضا:
– فمسلسل إدريس الأكبر الذي تعرض للانتقادات كما ورد بمقالك، الجزء الأكبر منها يعود للإنتاج الضحل الذي أتيح له.
– فيلم “خربوشة” الذي كتبت سيناريوه رفقة أخي عبد الباسط الخضري، لو أتيحت له الإمكانيات وسيولة نقدية أكبر لجاء أحسن بكثير مما هو عليه، لأنه استغنى عن كثير من المشاهد الحَرَكية والفاعلة في تركيبة السناريو والحكاية بالتالي، على رأسها مشهد “الرفسة” التي وقعت سنة 1895 وسحق فيها القايد عيسى بن عمر نفرا كبيرا من قبيلة أولاد زَيْد، قبيلة حادة الزيدية / خربوشة.. إضافة لمشاهد أخرى كان يمكن أن تجعل من بالفيلم عملا ملحميا فيما لو احتفظ بها وخُولت لها الإمكانيات المادية كما الرؤيا الإبداعية طبعا.
– فيلم “طبول النار” أو “معركة الملوك الثلاثة” للمخرج سهيل بن بركة – وبغض النظر عن مضمونه الذي كان محط انتقادات هو الآخر – أُقِر أنه فيلم سينمائي مغربي تاريخي ملحمي مُحكم، على الأقل شكليا من حيث توجيه المجاميع من ممثلين أبطال وثانويين.. مُوفَّق في الخدع السينمائية وإدارة المعارك وإتقان الانفجارات والتمويهات الجسدية والتقنية.. تحريك آلاف – وليس مآت الممثلين الثانويين / الكومبارس – الذين أدّوا أدوار الجنود… ويرجع الفضل في تخويل كل ذلك الكم من البشر وتغذيته ولباسه كما تعويضاته طبعا إلى الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه.. فهو الذي وضع رهن إشارة سهيل بن بركة العدد الكافي الذي طلبه من العسكر المغربي لتصوير تلك الجحافل من الجنود المغاربة في معركة الملوك الثلاثة.
وللتاريخ أيضا، فالحسن الثاني أيضا هو من فعل نفس الشيء مع المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد في فيلم (الرسالة) حين صورت مشاهد منه في وارززات. وكان سيكرر الفعل ذاته، زيادة على امتيازات أخرى مع نفس المخرج في فيلم لاحق حول الإسلام، لولا انقضاء أجل العقاد في ذلك الانفجار الإرهابي بأحد الفنادق وموت المشروع معه طبعا. إذن هنا يتدخل القرار السياسي الواعي بأهمية التاريخ إلى جانب توفير الإمكانيات اللوجستيكية ثم السيولة المالية طبعا.
2 – القايد يركب بغلا وكاتبا السيناريو مع المخرج لا يُحَصِّلون درهما واحدا ؟
- – في فيلم (التوفري) المنتمي لمرحلة تاريخية غير بعيدة (1930 / 1940) والذي كتبت سيناريوه صحبة أخي عبد الباسط الخضري أيضا، دون أن نتناول أجرنا فيه معا ولا المخرج منذ تصويره سنة 2017 حتى الآن، كل هذا بسبب الإنتاج والمنتج الذي حطم الرقم القياسي في البخل والتقتير فأنتج فيلما رديئا عن سيناريو محكم. تصوروا: كتبنا في السيناريو أن القايد يحل بالقرية على ظهر حصان رفقة اثنين من معاونيه ومستشاريِه المقربين.. بينما يتبعه ثلاثة مخازنية على ظهور بغال وهذا شيء طبيعي.. فهل تعلم أن المنتج أركب الجميع “بغالا” – بمن فيهم القائد – فقط بدعوى أنه ليس لديه إمكانيات كراء الأحصنة؟
- – اسأل المخرج إدريس المريني الذي طلب 100 بندقية من النوع الذي قاوم به المغاربة خلال المرحلة الاستعمارية من أجل فيلمه (بامو) الذي يصور انتفاضة المقاوم الحنصالي فتم منحه ثلاثة؟
- – أو اسأل المخرج ادريس شويكة عن الإمكانيات المادية التي “لم توفر له” لإنتاج فيلم (فداء) عن سيناريو للزميل والصديق عزيز الساطوري والذي يحكي عن عودة الملك الراحل محمد الخامس…
- 3 – بزّاف علينا التاريخ
- ودون أن تسأل، شاهد فقط هذه الأفلام وغيرها مما يمتح من التاريخ المغربي حتى القريب منه، مع تجاوز الإبداع الفني أو الكتابة السينمائية، فستلمس وبشكل جلي ومقرف الفقر والشح الإنتاجي من حيث ضحالة الديكورات.. قلة الأسلحة مع رداءتها سواء كانت بيضاء أو نارية.. ندرة الأحصنة حتى في مشاهد الغزوات الكبرى.. عبثية الألبسة التي قد تصلح لأي زمن وقد نراها في أكثر من فيلم… كل هذا يؤدي بي إلا خلاصات جد مقتنع بها وهي أن:
- 1 – القطاع السمعي البصري المغربي حاليا “بزّاف عليه” أن ينتج فيلما تارخيا عن طارق بن زياد أو يوسف بن تاشفين، أو محمد الزرقطوني أو إبراهيم الروداني أو ثريا الشاوي أو غيرهم من الأبطال والبطلات المغاربة على الأقل لا يسئ إليهم إنتاجيا إن لم ينصفهم فنيا.
- 2 – إذن أقول لكل الذين ينتقدون مسلسل (طارق بن زياد) وليس بين يديهم مليار واحد لإنتاج مسلسل مغربي تاريخي صرف بحجمه، أن يتفرج صامتا أو فليغير القناة التي تبثه. فهؤلاء من طينة أولئك الذين لا يفعلون ولا يتركون الغير يفعل. فهل بربكم لو أنجزت شركة إنتاج أو قناة مغربية مسلسلا عن طارق بن زياد عينه، وأيا كان مستواه الفني والإنتاجي، سيفكر آخرون من خارج المغرب في إنجاز عمل عن نفس الشخصية وذات الموضوع؟؟
- هذا لا يعني أنني معجب بمسلسل (فتح الأندلس) ومتفق معه في طرحه الشكلي والموضوعي مائة في المائة، بل لدي عليه ملاحظات موضوعية منها مثلا عدم ذكر أصل طارق بن زياد ولا حتى عبارة “المغرب الأقصى” بدل المغرب حتي، إن لم يكن يسمى كذلك في القرن الميلادي الثامن… كما أنه شكليا يعاني ضعف عنصر التمثيل لا سيما لدى الممثلين الثانويين حيث يبدو ارتباكهم واضحا.. وهذا راجع إلى عدم التحكم في إدارة الممثل الثانوي / الكومبارس وهي إشكالية شبه عامة يعانيها كثير من المخرجين العرب، بمنحهم الأهمية الكبرى من حيث هذه الإدارة للممثلين المحترفين مهملين بالمقابل إدارة الكومبارس، فيحل أداء هؤلاء نشازا في العمل ككل. بل إن بعضهم يسرق نظرات إلى الكاميرا قلما ينتبه لها المخرجون. كثير من المبارزات سواء الثنائية أوالجماعية يبدو الافتعال فيها جليا ويلزمها كثير من التمارين. اللقطات المؤطرة للمدن مواقع الأحداث كقرطبة، طليلطلة، القيروان وقصر طنجة… تبدو مفبركة وعبارة عن ماكيت مصورة.
- 3 – ولكل من يطالب بتوقيف مسلسل (طارق بن زياد) في شهر رمضان أقول:” إنك لاغ، ومن لغا لا صيام له.
أتفق معك خويا خالد، واشكر لك ثناءك على مقالي الذي لم أتناول فيه حيثيات خريطة الإنتاج السينمائي في المغرب، وقد اكتفيت فقط بالقول إن الدولة لا تعوزها إمكانيات. وأنا واعي أشد الوعي بهذا الطرح السليم. ما ينقصنا في المغرب، هو القرار السياسي. وأشكر لك تعريجك، بغير قليل من التفصيل والحس النقدي، على المرات التي حضر فيها القرار السياسي، والأحايين الكثيرة التي تم فيها تحقير العمل الفني، فتم فيها الضحك على ذقون كتاب السيناريو والمخرجين والمنتحين، والممثلين بطبيعة الحال، فجاءت الانتاجات مثل ما نعلمه جميعنا، بكل أسف.
تعلم الأسرة الفنية وغالبية المتتبعين ما تحصل عليه من امتيازات كل مشاريع الأعمال الفنية الأجنبية التي تحل بالمغرب، وذلك بفضل تعليمات ملكية وعناية مولوية كريمة، فتكون الطريق معبدة والعناية لصيقة، بما في ذلك اللوجستيك العسكري، والبشري، للقوات المسلحة الملكية.
أما في ما يتعلق ب”الأجهزة المغربية المختصة”، فأنت تعلم أنني أدرك علم اليقين صعوبة أو إستحالة تدخل طرف خارجي في صياغة عمل فني. لكنك تدرك مثلما أدرك ويدرك الجميع أن هناك ستة وثلاثون ألف وسيلة وطريقة لإدراج كاتب سيناريو أو ممثل و أو مؤرخ للمراجعة التاريخية في العمل. ولأن الأمر يتعلق بالحضور المركزي لطارق بن زياد والسوس الاقصى في مسلسل فتح الأندلس، فإن حضور مغاربة في كل مراحل تحضير المسلسل يعتبر من أبسط الأمور، حتى لا أقول من المسلمات. علما أن حضور المغرب، على الأقل في شخص هشام بهلول كممثل ونعمان لحلو في أداء أغنية الجنيريك، كفيل ليعتبر صك اتهام ضد أجهزة الدولة المختصة التي لم تكلف نفسها حتى عناء الاطلاع على سيناريو مسلسل فتح الأندلس. وأظن أن صديقنا الودود، سي هشام، هو أيضا يتحمل نصيبا من المسؤولية، رغم إدراكنا لصعوبة تدخل ممثل في سيناريو عمل فني، مثل لاعب مع مدرب فريقه. غير أن بعض التنبيه هو أيضا له وسائله وطرقه الذكية، علما أن أخانا هشام ليس مؤرخا، ولا يمكن تحميله ما لا طاقة له به.
وهنا لابد من العودة إلى الجانب المالي في الأعمال الفنية. فنظرا الخصوصية مسلسل فتح الأندلس الحضور المحوري للمغرب فيه، تاريخيا وجغرافيا، وبسريا، ألم يكن حرب بالدولة المغربية أن تدخل على الخط بشكل رسمي زعلني لتكون شريكة في الإنتاج، بمساهمة مالية واوجستيكية، ومن ثمة يحضر مغاربة في كتابة السيناريو، ومساعدي مخرج وتنفيذ إنتاج.
لماذا لم يطرقوا الخزان.
أخوك أ. الشبري
مع كامل المودة والتقدير