نورس البريجة: خالد الخُضَري
اعتاد الكثيرون على إقامة موائد الرحمن خلال شهر رمضان شاملة الأطعمة والمشروبات التي استطاع أن يجود بها صاحب المائدة حسب حالته المادية سواء كان شخصا طبيعيا أم معنويا، وذلك بهدف إطعام المساكين وعابري السبيل طوال الشهر، للحصول على الثواب والدعاء له بالخير والعافية. وقبل الاطلاع على تاريخ هذه العادة الإنسانية النبيلة، أشير إلى أنه وبعد مائدة الغفران التي تنظمها الكشفية الحسنية المغربية بالجديدة، التي سبق الحديث عنها في المقال السابق، اكتشفت مائدتين اثنتين يقدمان بدورهما إفطارا مجانيا ل خلال هذا الشهر الفضيل.
أولاهما في مسجد النور المعروف ب”جامع بناني”، الموجود في شارع بوشعيب الزاهدي المتاخم للطريق الشاطئية في اتجاه سيدي بوزيد. وعن أسئلة للسيد المشرف على عملية الإفطار حول مصدر تموليها؟ وعن عدد المستفيدين من هذه العملية؟ نوعيتهم؟ وعددهم؟ أجاب أن الممول هو منشئ المسجد السيد بناني نفسه، عدد المستفيدين ما بين 40 و50 نفرا كلهم من المعوزين والفقراء وعابري السبيل.
المائدة الثانية توجد بمقهى “بيرلا مازغان” المعروفة ب”قهوة سُجدة” الموجودة في شارع المدينة المنورة وهي لا تزال تعلق لافتة السنة الماضية 2022. وجوابا عن نفس الأسئلة التي طرحتها على المدير المسير للمقهى ولمائدة الرحمن فيها، السيد يونس سُجدة، أجاب أن العدد يتراوح بين 30 و40 شخصا وهم أيضا من نفس الفصيلة: فقراء، معوزون وعابروا سبيل.
أما بخصوص تاريخ موائد الرحمن متى؟ كيف؟ وأين نشأت؟ فقد اختلفت الروايات حول تحديد أول مائدة رحمن في التاريخ. فهناك شبه إجماع على أن أول مائدة رحمن في التاريخ، أقامها سيدنا النبي (ص) للوافدين الذين أعلنوا إسلامهم من الطائف، حيث ظل الرسول (ص) يرسل لهم الإفطار والسحور مع بلال بن رباح طوال الشهر. من بعد الرسول، حرص الخليفة عمر بن الخطاب على إقامة دار للضيافة ليفطر فيها الصائمون والفقراء والمساكين طوال شهر رمضان.
فيما تقول رواية أخرى إن أول مائدة رحمن ظهرت في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذى كان يقيم موائد الرحمن بحديقة قصره، وكان يتنكر ليجوب بين الموائد سائلا الصائمين عن رأيهم في الطعام ليعرف ردودهم دون مبالغة أو مجاملة لشخصه.
رواية ثالثة تفيد أن أول من أقام مائدة في شهر رمضان هو الخليفة الفاطمي العزيز بالله ليفطر منها أهل جامع عمرو بن العاص، حيث اعتاد على إخراج 1100 قِدر يومياً من مطبخ قصره يحتوى على أنواع الطعام ثم توزع الهدايا على الفقراء، وعند موعد السحور تقام مائدة أخرى لإطعام الفقراء والمساكين .
وأشار البعض إلى أن أحمد بن طولون أول من أقام مائدة رحمن في شهر رمضان بمصر. وكان يجمع كبار التجار والأعيان في أول يوم من شهر رمضان على الإفطار، ليلقي عليهم خطبة يخبرهم فيها أن الغرض من المائدة هو الإحسان للفقراء والمساكين مع ضرورة أن يفتحوا منازلهم ليمدوا موائدهم للمحتاجين، كما أمر بأن تظل مائدة الرحمن مفتوحة طوال شهر رمضان المبارك. (يتبع)
مراجع:
- 1 – مجلة “اليوم السابع” 28 أبريل 2022
- 2 – كتاب: “مصر بالأبيض والأسود، قراءة مغربية في عين المكان” تأليف: خالد الخضري