نورس البريجة:خالد الخضري |
محمد عاطر، من الأسماء التي حفرت اسمها في المشهد السمعي البصري المغربي لما يربو عن عقد زمني، عبر عدد من الأعمال الدرامية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية من أشهرها برنامج “ريحة الدوار” الذي بثت أولى حلقاته في يناير 2010 على أمواج إذاعة (م.ف.م) وقبله في نفس المنبر برنامج “صباح الخير يا بلادي”. لكن الأول يبقى الأكثر شهرة، يتابعه آلاف المستمعين من مختلف مناطق المغرب ومن مختلف الشرائح الاجتماعية بين عامة ومثقفين وباحثين في الثقافة الشعبية والعالم القروي على وجه الخصوص الشيء الذي جعل من محمد عاطر “نجما” محبوبا وبارزا لدى العام والنُّخب.
من أهم أسباب نجاح برنامج “ريحة الدوار” عنصران اثنان، أولهما ذاتي والثاني موضوعي كلاهما مؤثر في الآخر ومحفز له. يتعلق العنصر الذاتي بمعد البرنامج ومنشطه محمد عاطر ذاته، فالرجل وبدون تحذلق في البحث عن نعث يناسبه، أقر شخصيا أنه” “عْروبي” محض و- بالمفهوم الإيجابي – شكلا ومضمونا، ببشرته القمحية التي تلفحها شمس البادية، بصوته الأجش الذي يحاول كثيرون تقليده حين يهمون بتقمص شخصية العروبي لكنه هو لا يقلد أحدا لأنه خلق به ومعه. ثم بلهجته “البلْدية” المنتمية إلى إقليم الشاوية والتي لا تختلف كثيرا عن لهجة سهول دكالة، عبدة واحمر. هي تلك اللكنة العروبية التي يتحدث بها عاطر تلقائيا دون تصنع حتى وهو يناقش موضوعا إعلاميا أو أكاديميا وإن بمصطلحات أدبية أو علمية وليست دارجة عامية.
كما إنه يتمتع بخفة دم البدو وتشبعهم بروح النكتة في جلساتهم الجماعية بفضاءات “الگاعة” مثلا أو بالسوق أو الأعراس لا سيما خلال لحظات البسط والتي يطلق عليها “القْجيم”. عاطر من هذا النوع الذي “يقجم” مع جليسه فيفجر الضحك حتى ولو تحدث بجدية، سواء وهو يرد عن سؤال أو يعلق على رأي، مثاله في “ريحة الدوار” حين يرد أحد ضيوفه ردا غريبا، يكون في كثير من الأحيان طريفا، يعلق هو: “أيْرحم الوالدين” وكأنه يزكيه، مما يفجر ضحك السامعين الحاضرين وقت التسجيل والمتتبعين للبرنامج عبر الراديو على حد سواء.
أما العنصر الثاني المساهم في نجاح “ريحة الدوار” والمتعلق بالموضوع فسنده شقان: شق محوري يخص المحتوى العام الذي يناقشه البرنامج والمنحدِر أصلا من “الدوار”. هذا الفضاء الذي ينتمي إليه معظم المغاربة ومنه ينحدرون. فقليل جدا منا من ليست له أصول بدوية وعلاقة عميقة بالدوار، فأغلبية المستمعين يجدون فيما يسمعون وخصوصا “كيف يسمعون” تاريخهم، ذواتهم، الشيء الذي يذكرهم إما بجد أو خال أو عمة أو جار: (( ريحة الدوار تسري في دمي، ساكنة في عظامي.. ياك تساريت گع الدنيا ما بحالها ريح.. فيه بويا فيه جدي خوالي وعمامي.. هذا تاريخ ما فيه كذوب، تاريخ صحيح)).
أما الشق الثاني من الموضوع فيتعلق بالعنصر البشري، أي الضيف أو بالأحرى الضيوف المُحاورَين، فكلهم بدْو ليسوا بممثلين تم انتقاؤهم بواسطة كاستينغ. هم هكذا في حياتهم الخاصة والعامة يتحدثون بطلاقة بدون تمرين، ولا ماكياج أو تصنع. وكما أسلفت، فكلا العنصرين: الذات والموضوع، يؤثران في بعضيهما، فعاطر بطلاقته أيضا و”قجمه” العفوي، يجعل الضيف يرتاح له فيتحدث على سجيته، فلا يفتأ المنشط يردد سائلا إياه عن حادث طريف أو مثل أو حكمة: “عاود ليا أفلان: كِ گلتِ ليها في ديك الخُبِّيرة أو المحاجية أو المَثْلة أو المَنيرة اللي وقعت لك في السوق أو في الحلقة أو نهار بغاو يختنوك….؟” الشيء الذي يُضحك المحاوَر أولا، فتنفرج أساريره وتفك عقدة لسانه، فيشرع ثانيا في الحديث بعفوية ناسيا أن هناك آلة تسجيل وميكروفون أدوات اشتغال تقنية أخرى. كما يؤثر هذا الأخير في المحاوِر أو المنشط فلا يكف عن إسناده وتحفيزه لمزيد من الحكي والشرح بتكرار ما يتفوه به لتبليغ المعلومة كاملة للمستمع، مرددا في كثير من المرات لازمة أو “قفْلة” النهاية: “أيرحم الوالدين”.
محمد عاطر
- – أصله من دوار اللويز مرامرا، قبيلة الشياظمة
- – ولد سنة 1967 بالحي المحمدي بالدارالبيضاء
بعد إنهائه لدراسته الابتدائية بمدرسة أبي بكر الصديق في نفس الحي، التحق بثانوية الرائد إدريس الحافي حيث حصل على باكالوريا أدبية، ولج بموجبها كلية الآداب والعلوم الإنسانية سيدي عثمان بنمسيك. ومن هناك حصل على الإجازة في الآداب متخذا من “التحسينات التي أدخلت على الخط العربي” موضوعا لأطروحته. كان ذلك في موسم 1994/1995.
شارك محمد عاطر كممثل في عدد من الأعمال الدرامية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية من بينها:
- في التلفزيون
- * في القناة الأولي:
- – مسلسلان: (زايد ناقص) 2001 و(المستضعفون) 2006 لناصر لهوير
- – سلسلة ( البعد الآخر) 2008 لمحمد كغاط.
- – مسلسل (العام طويل) 2009 لسعيد آزار
- – سلسلة (مداولة) مع القاضية رشيدة أحفوظ، إخراج ناصر لهوير.
- – شريط وثائقي (عيوط ومكاحل) 2017
- – سلسلة (دار السربة) 2020
- * في القناة الثانية:
- – سلسلة (ناس الحومة) 2013 إخراج رشيد الوالي.
- * في السينما:
- – (كازا داي لايت) 2005 لمصطفى الدرقاوي
- – (نهار تزاد طفا الضو) 2011 و(رهان) 2015 لمحمد كغاط
– (المليار) 2016 لرائد المفتاحي
* في الإذاعة:
* قناة (م.ف.م)
– (صباح الخير يا بلادي) منذ 2007.
– (ريحة الدوار) منذ 2010 لحد الآن.
محمد عاطر جمعتني به الصدفة مؤخرا بقبيلة اولاد حمدان في دكالة، وبالضبط في مأوى طازوطا السياحي لصاحبيه السيدة لطيفة خالص وزجها الفنان السيد امحمد الزنفري ضمن لقاء عدد من أعضاء مجموعة الإمام البخاري. فكانت جلسة عفوية “تفاجي بالفعل الخواطروتقول للهم طير أو لا نطير” جلسة لم يتم التحضير لها ولا استعملت فيها معدات تقنية باستثناء هاتف نقال وكثير من المحبة والتلقائية و”القجيم” على النحو التالي:
- إهداء: إلى خولة