نورس البريجة: خالد الخضري
توفيت يوم الأربعاء 31 يناير 2024 بحي سيد الخدير بالدارالبيضاء، السيدة طامو الخضري التي كنا نسميها “امّي طامو” والتي كانت لحد وفاتها هي الأكبر سنا ضمن عائلتنا إذ تجاوزت 100 سنة حسب ما استنتجته من محاورتها وحساب سنوات عمرها حيث قالت لي:
– أنا كنت كنركّب ابّاك السي الهاشمي (والدي) وعمك السي البشير علىظهري.
فوالدي رحمه الله وُلد سنة 1930 وتوفي سنة 2010 (80 عاما) ومنذ 2010 حتى الآن مرت 13 سنة، ليصبح المجموع 93 سنة. فلنفرض أن امّي طامو كانت تكبره على الأقل بثمان أو تسع سنوات حتى تستطيع حمله على ظهرها، فإذا أضفنا 8 أو9 سنوات على 93 فسيغدو مجمل عمرها 102 سنة. وهذا يعني أيضا أنها ولدت في بداية عشرينيات القرن 20 بدوار المناقرة الحدادة السهامات، دائرة الغنادرة، جماعة خميس الزمامرة، إقليم الجديدة.
حين سألتها عن تاريخ ولادتها لم تعرفه لكنها تتذكر بعض الأحداث المهمة في طفولتها في عهد النصارى، ضمنها أمراض وأوبئة لم تعرف أسماءها ونوعيتها، كل ما تتذكره أن “الفرانسيس” كانوا يجمعون السكان في خيام النساء بمفردهم والرجال كذلك، يجردونهم من ثيابهم التي يحرقونها، ويرشون عليهم مبيدات من بينها الكبريت، ثم يلبسونهم ملابس فضفاضة “بحال الخيْش” على حد تعبيرها. كما منعوا الأسواق الأسبوعية والتجمعات في جميع المناسبات أعراسا وجنازات وغيرها.
بالبحث عن نوعية الأوبئة التي أصابت المغاربة في بداية القرن العشرين تأكد لي ما رأته أو بالأحرى ما عاشته امّي طامو وهي طفلة في تلك الحقبة:
بتاريخ 6 أكتوبر 1928 : Le Cri Marocain كتبت جريدة
((في صيف سنة 1928 سوف تنتشر حمى المستنقعات (التيفوئيد) التي كان المغاربة يسمونها “التيفوس” في مناطق واسعة من المغرب، حيث قدرت بعض الجرائد إصابة 50 % من المغاربة المقيمين في منطقة النفوذ الفرنسي و30 % على الأقل من الأوربيين. وقد كانت مدينة الدار البيضاء الأكثر تضررا، إذ فقدت نصف اليد العاملة المحلية وشُلت مصانعها وركدت تجارتها وجل أنشطتها الاقتصادية)). الشيء الذي يدل دلالة قاطعة على أن امّي طامو عاشت أكثر من 100 سنة.
أولا: ذاكرة فولاذية
هي طامو بنت علي بن محمد بن عبد السلام وفاطنة بنت الطاهر. زوجة عبد الله الخضري بن مبارك بن عمرو (ابن عم والدي الهاشمي بن الجيلالي بن عمرو) وهي في نفس الوقت بنت خال زوجها عبد الله ابن عمتها طامو، حيث تظل قرابتها لوالدي قرابة عمومة. لكن الأهم من كل هذه التفصيلات العائلية المتشابكة، أنها ظلت حتى أواخر أيامها متوقدة الذهن، تتمتع بذاكرة فولاذية رغم اعتلال صحتها بتذكرها لمعظم الناس الذين جمعتهم الحياة بها الأموات والأحياء منهم، تعرف أسماءهم، أنسابهم ودواويرهم: فهذا فلان بن فلان بن فلان.. وتلك فلانه بنت فلان بن فلان وهكذا.
امّي طامو كانت من بين أهم المصادر أو المراجع التي اعتمدتُ عليها في كتابة سيناريو الفيلم السينمائي الروائي الطويل (التوفري) صحبة أخي عبد الباسط الخضري وأخرجه مصطفى فاكر سنة وهو مبني على وقائع حقيقية جرت ما بين 1930 و1940 حكى لنا والدي بعضها وكذلك امي طامو، لكونها عاينت عددا من أحداثها التي وقعت في دوار المناقرة حيث ولدت. كما عرفت شخصياته التي يوجد من بينها الخناتي (أدى دوره عمر لطفي) فالخناتي هذا خال امي طامو وزوج القايدة بنت الفانيد التي لعبت دورها الفنانة السعدية أزگون. وحين كنت أشاهد الفيلم مع امّي طامو كانت هي التي تتولى الشرح وتوضيح الكثير من الوقائع.
سنة 2000 وبمناسبة عودة والدي رحمه الله من الحج، أقمنا حفلا ببيتنا في الزمامرة دعونا له معظم جيراننا، أحبابنا وأهاليناوضمنهم “رباعة المناقرة” أي أهل والدي من الدوار الذي ولد فيه. فحمل هذا الجمع أو الرباعة كيس سكر “خنشة” فوق عربة تجرها دابّة “كرّوسة” تتقدمهم امّي طامو. فتلك كانت هي هدية رباعة المناقرة لابن عمهم الحاج الفقيه السي الهاشمي بن الفقير الجيلالي فرحا معه وفخرا به. هذا الحفل وثّقته في شريط فيدو مدته ساعة ونصف، شاهدَته معي امي طامو في السنة الماضية 2023 فعرفتْ جميع الشخصيات التي ظهرت به لا سيما النساء، حيث جرت العادة بالبادية أن يُنظَّم للنساء حفل غناء ورقص خاص بهن، فتعرفت وبعد 23 عام من تصويره على سائر “المنقاريات” اللواتي حضرن معها ورقصن في ذلك الحفل وضمنهن “الزاهية” بنت عمتها وشقيقة زوجها عبد الله وفي نفس الوقت زوجة شقيقها محمد الخضري الملقب ب”الفلعوص” وهو لقبها الرسمي أيضا وكان يحمله شقيقها الأصغر سنا منها، الحاج الطاهر الذي توفي في 12 غشت من السنة الماضية 2023 وقد كان من المناضلين الذين حملوا السلاح ضد المستعمر الفرنسي واعتقل وعُذب من طرفهم دون أن يحصل حتى بطاقة مقاوم .
كما تعرفت امّي طامو على عائشة زوجة الحَسن الخضري (شقيق عبد الله زوجها) والتي توفيت هي وزوجها الحَسن هذا في يوم واحد بالدارالبيضاء بداء كورونا: الأربعاء 30 دجنبر 2020
ثانيا: “بغينا وجهك ما بغينا طمعية”
كنت في أغلب الأحيان التي أحل فيها بالدار البيضاء، ورغم وجود عدد كبير من أفراد أسرتي بها لاسيما في أحياء سيد الخدير، الحي الحسني والولفة، أقصد بيت امّي طامو لأنه كان الأكثر راحة وحميمية بالنسبة لي وكأني كنت أقصد حضن والدتي، إذ كان تمة شبه كبير بين المرأتين من حيث حسن السلوك، شدة النظافة، العفة، القناعة، “الصْواب” والعقل الراجح.. كما كانت كل واحدة منهما تكن للأخرى حبا وتقديرا كبيرين لحد التقديس.
ويعود انتشار أفراد الأسرة في هذين الحيين سيد الخدير والحي الحسني، إلى جدي الفقير الجيلالي الملقب بالحلّاوي لأنه كان يعد الحلوى “الشبّاكية” و”المْخَرْقة” ليبيعها في أسواق دكالة. وفي خمسينيات القرن الماضي هاجر إلى الدارالبيضاء حيث أقام في الحي الحسني ثم استقدم بعضا من أبناء أخيه وعمومته على رأسهم ابن أخيه عبد الله رفقة زوجته طامو ليمارس هذا الأخير نفس المهنة قبل أن يتحول إلى العطارة. ولا زال دكانه حتى الآن قائما يمتهن فيه أبناء الحسن الخضري المتوفى هو وزوجته في يوم واحد كما أسلفت، نفس المهنة (الحلوى والعطارة) فيما تخصص بعض منهم في الروائح والعطور. ومن ثم تفرعت العائلة في الحيين المذكورين لتصل حتى حي الولفة.
كانت امّي طامو تتمتع بمَلَكة تقييميةونقدية بتقييمها للأحداث كما للأشخاص بموضوعية تامة. فحين كنت أسألها رأيها في فرد من أفراد العائلة كانت تصفه محددة أخلاقه ومميزاته بدقة متناهية وكـأنها تزنه بميزان ذهب. في حوار سجلته معها في الصيف الأخير سألتها عن والدتي فقالت:
– “فاطنة الله يرحمها كانت مزيانة، الله يعمرها دار.. مرا معقولة وبنت الناس.
كنت أرى في امي طامو أُمّا ثانية لشدة الشبه بينهما، فحين أحل ببيتها تفرد لي غرفة خاصة آمرة ابنتها أن تعطيني “الكاشّة” الجديدة أو “المْصَبْنة” التي ما تزال في غشائها البلاستيكي. كما تعطيني فوطتين نظيفتين إحداهما لمسح يدي ووجهي والثانية أضعها فوق الوسادة لترش عليها قليلا من ماء الورد من القنينة الصغيرة التي أهديها لها وهي تقول:
– مالك أوليدي امّرت راسك؟ را بغينا وجهك ما بغينا طمْعِيَة(هي نفس العبارة التي كانت تقولها في ني ذات الموقف، والدتَيَّ ال “فاطْنتين” المرحومتين أمي فاطنة التي ولدتني وأمي فاطنة التي أرضعتني).
وكانت امّي طامو تضيف:
– إن طلّتك علي بمثل طلّة ولدي مبارك (ابنها البكر استاذ التعليم بسيدي إفني).
حتى كؤوس الشاي حين توضع في الصينية بيننا، تتفحصها واحدا تلو الآخر وهي تدنيها من عينيها، فإذا لا حظت أدق وسخ تأمر بإعادة غسل الكاس أو تغيير الأكواب برمتها.
تتذكر امّي طامو حفل تخرج والدي من كلية ابن يوسف بمراكش محصلا على شهادة “العالِمية ” سنة 1946 التي عمل الملك الرحل الحسن الثاني طيب الله ثراه على معادلتها بالدكتوراه، فحكت عن استقبال الوالد بالزغاريد و”العْلامات” الرايات و”الطُّلبة” (حَفَظة ومرتلي القرآن الكريم). لكنه أصيب بوعكة صحية خطيرة ألزمته الفراش مدة طويلة كاد يفقد معها حياته، فكانت والدته نجمة بنت الفقيه السي الهاشمي الذي أسمت ابنها باسمه، تبكي مولولة وهي تردد:
– الله أوليدي نموت أنا وعِش عَ انت
وهذا ما حصل، إذا ماتت الأم بعد أسبوع واحد من تماثل ابنها للشفاء.
عنه قالت امّي طامو:
– السي الهاشمي كان زين، مزيان ومّازن (أي متوازن) ، ما فيه ما يتگال. كان سْخي اللي جا ياكل ويشرب، الله يعمرها دار.
وعن أخيه عمي السي البشير قالت:
– السي البشير الله يرحمو كان غير كيضحك وحتى هو ما كاين غير مرحبا وزيد للگدام. ما كان فيه لا سم ولا بغض ولا والو. وحتى خوه احمد كان درويش مسكين. اما مصطفى (أصغر أعمامي) فقد كان هو الآخر دريويش وكان دائما يجيئ عندي ليحكي لي مشاكله وهمومه إلى أن أحال بيني وبينه المرض ثم الوفاة رحمة الله عليه بتاريخ: 31 أكتوبر 2013.
ثالثا: نحيب صامت
الغريب لدى امّي طامو أنها كانت تحكي عن أحبابها الذين توفوا قربها أو ببين يديها دون أن يهتز لها طرف، مثل ابنها السي محمد الذي قُتل من طرف “شمكار” بسوق الحي الحسني في شهر يوليوز من سنة 1987 مخلفا ابنه الوحيد يوسف وله من العمر فقط سنتان. فالحقيقة أن حكاية قتل السي محمد وكيف ظل يجري من السوق والدم ينفجر من عنقه إلى مستوصف الحي الحسني حيث انهار فوق أول درجاته مفارقا الحياة ووالده عبد الله مازال يضغط بيديه على محل الطعنة في محاولة لوقف تدفق الدم، هزت ليس فقط أسرة الخضري ولكن حي سيد الخدير والحي الحسني عن آخرهما. مأساة درامية حقيقية حكت عنها امي طامو بحرقة وهي تُسَبِّح وبالكاد تلمع في عويناتها دموع الأسى.
كذلك أحبابها الذين ما توا بعيدا عنها مثل زوجها الحاج عبد الله الذي توفي في مستشفى محمد الخامس بالجديدة بتاريخ: 31 دجنبر 1999، حيث ترجته ألا يسافر إلى “بلاد المناقرة” لمعرفتها بمرضه فلم يطعها، إلى أن أتوا لها به في صندوق مُشمَّع فحُرمت حتى من إلقاء النظرة الأخير عليه. فأية قوة كانت تملك تلك المرأة وكيف تحملت كل هذه الوفيات الدرامية وفراق أقرب أقاربها؟
كانت امّي طامو تحكي عن كل هذه الوفيات بثبات دون أن تفارق السّبحة يديها وبالكاد تتلألأ بعض الدُّميعات في عينيها الصغيرتين اللتين ظلتا محتفظتين ببريق يشع ذكاء وتوقدا. كنت أشعر معها أنها كانت تغالب دموعها ولا تود أن تظهر ضعفها. داخليا كانت تنتحب دون صوت.
رابعا: امرأة حية تُحَنّيِ لامرأة ميتة
من أغرب ما حكت لي امّي طامو حكاية سمعتها لأول في حياتي عن “القايدة بنت الفانيد” التي كنا نلقبها ب اخِّيتي” زوجة خالها الخناتي، والتي قضت أعوامها الأخيرة عنها تراعيها وتهتم بها إلى أن توفيت بين يديها سنة فطَلَت يديها بالحناء وهي ميتة وباتت جالسة عند رأسها طوال الليل مانعة بناتها من البكاء أو إخبار الأهل والجيران حتى الصباح. فكان سؤالي لماذا فعلت هذا؟ وهل أصابها بعض الذعر أو الرعشة بكونها “حنّات لامرأة ميتة” أجابت:
– وعلاش غادية نخاف وهي الله يرحمها كانت عزيزة عليها الحنّة ؟
كما حضرت امي طامو وشاركت في تغسيل القايدة هذه، وقد لاحظ كل النساء اللواتي جئن للعزاء أن الحناء “نظْرت” في يديها ورجليها، أي ظهرت ناصحة كما يحدث في يدي ورجلي أية امرأة حية، سبحان الله. (حسبما أكدته وكما سنرى ونسمع ذلك في الفيديو المرفق)
بل إن امّي طامو حكت أنها داوت ابن عمتها عباس الخضري – أخ زوجها عبد الله – بالملحوماء جافيل حيث تقول إنه جيء به إليها من الزمامرة محمولا على الأكتاف بعدما انتفخت رجلاه لدرجة لم يعد يقو على الوقوف بهما. فكانت في كل يوم تغسل له رجليه بالماء الدافئ ثم تطليهما بما ذُكر وتحزمهما بمنديل نقي حتى اليوم الآخر. وهكذا دواليك طيلة 15 يوما حتى شفي تماما بغير طبيب ولا عقاقير أو مرهم ولا مسكنات إلى أن عاد إلى بيته واقفا.
خامسا: أروع مثال
وفيرة هي الذكريات والأحداث التي روت لي عنها امّي طامو.. فكم معلومة حملت إلي عن العائلة، والدوار، والقبيلة، البلاد، والحي، وسوق الحي الحسني حيث كان زوجها عبد الله يصنع ويبيع الحلوى قبل العطرية. فكم اجتهدت، وتحملت في اشتغالها في البيت بالإعداد ودلك عجين الحلوى خصوصا في رمضان إذ بالكاد كانت تنام ساعة كاملة، حيث تروي أنها تبدأ في العجن في الليل ولكمية كبيرة لأن عبد الله كان يبيع بالجملة لتجار الحلوى في السوق ثم بالتقسيط في حانوته، ثم تشرع حوالي 10 صباحا في تقطيع “المْخَرْقة” ب “الجرّارة” و”الشبّاكية” بواسطة “الغُرّاف” (علبة صفيح حليب ” گيگوز” بها ثقب في الأسفل يسمح بانسياب العجين السائل يتناوله الحلواني لينجز به الشكل الذي يريد) .. بينما يتولى عبد الله طهيها في الزيت. وحين تنضج يرفعها بالمخطاف ثم يقطِّرها من الزيت في المقلاة الكبيرة، لتتولى هي غطسها في سطل أو قِدر العسل الذي تعده بنفسها بواسطة السّنيدة والشبّة، ثم ترتبها في إناء به ثقوب كالغربال لاستقطار العسل.
تظل تفعل هذا حتى العصر ثم تقوم لتساعد في شحن الحلوى في صناديق خشبية على متن “هوندا” تحملها إلى السوق. فتشرع هي مباشرة في إعداد طعام الإفطار لزوجها الذي كان يتناوله في الدكان ولأولادها في البيت دون أن تتناول هي فطورها إلا بعد أكل من ذكر “كم مرة نسيت نفسي فلا أفك صيامي إلا بعد مرور ساعة أو أكثر من موعد الإفطار”. بسرعة تتناول طعام إفطارها ثم تقوم لغسل الطناجر والقدور والمقلاة والصحون وإعداد طعام السحور فعجينة حلوى اليوم التالي. فلا تنام حتى يقترب الصبح من الانبلاج حيث تسعى لإيقاظ أولادها وإفطار من لم يكن الصيام قد حق عليه للذهاب للمدرسة، لتشرع في نفس العمل مرة أخرى وهكذا يوميا. خلفت امي طامو خمسة أولاد هم بالتتابع مبارك، المرحوم السي محمد، لطيفة، فاطنة وفتيحة وقد ربتهم جميعا أحسن تربية، كلهم يشرفون عائلة الخضري.
كما أسرّت لي أنها كانت تلعب دور البنك بالنسبة لزوجها حيث تقول:
– كان الله يرحمو يجيب لي السّرة ويرميها لي لأخزنها دون أن أعرف كم بها . وكان الخير تبارك الله.
تقول هذا امّي طامو دون أن تتوقف عن الحكي، فكم حكاية حكت لي وكم ذكرى أيقظت في. وكم حنينا أشعلته لدي للقاء وضم جميع الأحباب من أفراد الأسرة وغيرهم لإحياء صلة الرحم معهم والتسامح والصلح مع بعضهم. وكم كان السمر والحديث يطولان ويحلوّان مع امّي طامو، فيشرق وجهها الصغير دون أن تأسى على ماض جميل ولّى ولا أن تشتكي من أي كان أو تدعو عليه، ولا أن تتبرم أو تتأفف من ضنك العمل ومعاناة السهر والاشتغال قرابة 24 ساعة دون توقف. بل حكت عن هذا وذاك وتلك، قانعة تحمد الله سرا وجهرا والسَّبحة لازمتها الدائمة ليل نهار. كما كانت تؤدي جميع الصوات في أوقاتها وهي جالسة وتصوم رمضان بكامله، ضاربة أروع مثال للمرأة المغربية المؤمن، الصبورة، المكافحة والخدومة إلى جانب زوجها من أجل استقرار المؤسسة الزوجية وتربية الأولاد خير تربية. كما كانت مفعمة بحب العائلة وتدعو لصلة الرحم.
امّي طامو كانت.. لاتزال وستظل النموذج الأمثل للمرأة الخضرية بامتياز
* (1) – “التاريخ المنسي للأمراض والأوبئة بالمغرب، كوليرا ومجاعة و”توفيس”
معاذ اليعگوبي وعلي الإبراهيمي – موقع “هسبريس” 25 أبريل 2020.
- * (2) هذه الشهادات وغيرها من حكايات امّي طامو المثيرة، نعاينها في الفيدوالمرفق عبر الرابط التالي: