حصرياتفن وثقافةمجتمع

“ناضي كندي” مشاهد كندية في عين المكان (20)

المشهد ما قبل الأخير: "سافروا تصحوا"

نورس البريجة: خالد الخضري

في متم هذه الرحلة أو المشاهد الكندية في عين المكان، والتي تبقى إيجابياتها وفوائدها أكبر وأعمق من مدتها، كما تمحي في حضرتها جميع متاعب السفر، لا أجد خير ما أختم به هذا “السيناريو الكندي” إن شئنا التعبير، سوى ما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص فوائد السفر حين قال: ((سافروا تصحوا)). كما أنشد الإمام الشافعي في نفس السياق:

“تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلَى

وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ:

تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ،

وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد”

 أكيد أن عددا من المعلومات التي أسوق أو سقت في هذه المشاهد، يمكن لكل من يمتلك هاتفا ذكيا أو حاسوبا أن يعرفها عبر (الإنترنت) وبأية لغة يتقنها كما بالصوت والصورة دون حوار. لكن المعلومات التي يسوقها الإنترنت تبقى فضفاضة عمومية لا تتوغل في دقائق المواضيع وخصوصيات المواقف والتي يظل كثير منها ذا طابع وجداني حميمي لا يمكن للتكنولوجيا أن تحل شفرته مهما تقدمت.

وبالتالي، فزيارة المواقع والفضاءات التي تكتب عنها أو تصفها “في عين المكان” كما التعايش مع أهلها، والتغلغل في أجوائها الاجتماعية والطبيعية في جزئياتها الدقيقة، تجعل المعلومة أوضح، الفائدة أبلغ، والمتعة أكبر. إذ أن هناك ظواهر يستحيل أن تدرك وقعها عليك ما لم تعايشها، مثاله هطول المطر في عز الصيف “على غفلة” حيث برمشة عين هنا بضواحي أوطاوا تحتجب الشمس، يتحرك البرد ثم يتدفق المطر مدرارا مع استقرار درجة الحرارة، وقلة هي من سكان المنطقة من تفر من هذا الغيث. فبعيني شاهدت عددا من الجيران يجزون أعشاب حدائقهم وهم يرتدون سراويل وأقمصة صيفية قصيرة تحت المطر بل، إن بعضهم يفعل ذلك وهو عار الصدر والظهر تماما وكأنه به يجز العشب ويسقيه متناولا دشا سماويا في نفس الوقت. ثم وفي لحظة برقية أيضا، ينحبس المطر وكأن أحدا ضغط على زر التوقيف، تبرز الشمس، تشرق السماء ويحل دفء خرافي.

إلا أنه في بعض الأحيان يهطل المطر قربا كما يقال، مصحوبا بالرياح والبرق والرعد متخذا شكل عاصفة قد تدوم النهار بكامله. في هذه الحالة وقبلها في الليل يتوصل جميع المواطنين عبر هواتفهم بنشرة إنذارية تحذرهم من الخروج إلا للضرورة القصوى مع أخذ الاحتياطات اللازمة.

لكن الأهم من هذا وذاك وفي كلتا الحالتين، هو المشهد الذي يلي سواء العاصفة أو تلك الزخات الخاطفة، خصوصا الإحساس الذي يعتريك في هذه الصحوة فور توقف المطروانقشاع الجو مع حلول الدفء. هو شعور مهما حاولت وصفه سأبدو مثل تلميذ يحاول كتابة إنشاء في الموضوع، قد يوفق لغويا لكنه سيفشل فشلا وجدانيا ذريعا بعجزه عن نقل هذا الشعور للقارئ، بل حتى ولو وثقت المشهد بالصوت والصورة. فقط ما يمكنني أن أجزمه هو أن هناك فرق شاسع بين (ما بعد) توقف المطر هنا بكندا وهناك ببلدنا وإن كان لا مجال للمقارنة، حيث ينجلي الفضاء هنا تماما وتغتسل الأرض والسماء ويعم الدفء.

(يتبع)

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button