نورس البريجة: خالد الخضري
أقل ما يقال عن الدفء الذي يلي هطول الأمطار في الصيف بكندا، إنه دفء”ناعم” لا يخلف أدنى ضرر للأرض ولا للعباد، عكس ما يحدث لدينا بالقرى المغربية، ولا سيما بالمدن رغم شح المطر بصفة عامة والتي لا تفيد فيها لا طلبات الغيث الجماعية (تغنجة) ولا صلوات الاستسقاء، في غياب اهتمام المسؤولين بالبنية التحتية في المدن كما في القرى. وبهذا يمكننا أن نطلق على هذا المطر “غيثا كنديا” لأنه يسقي العباد والأرض والبهيم والطيور والنبات وكل ما ومن يدب فوق الأديم أو يحلق فوقه. فمعظم الفضاءات خضراء، غابات، منتزهات، طرق، وديانا وبحيرات تستغل للتنزه والفسحة، بل إنه في جنبات وادي أوطاوا تم استحداث أكثر من شاطىء مجهز بسائر الوسائل البشرية واللوجستيكية، برماله الناعمة وإدارته بما فيها من مقاصف ودشات وملاعب للكرة الطائرة ومراحيض و رجال إسعاف وسباحين منقذين، كما نصبوا حواجز من الفلين تحدد المساحة المسموح بالسباحة فيها في البحر، عفوا النهر.
لكل بيت حديقة خاصة به من أمام وخلف تكللها خضرة تونع وسطها ورود متنوعة الألوان والأشكال داخل وخارج السياج لا أحد يتلفها أو يقتلعها، يبرز فيها اللون الأحمر الذي هو لون زهرة “القَيْقب” التي تتوسط العلم الكندي. بل في كثير من حدائق البيوت يتم غرس هذا العلم بأحجام ومستويات مختلفة في الارتفاع والانخفاض وكأنه نبات طبيعي منغرس في قلوبهم قبل بساتينهم تسقيها الروح الوطنية السارية في دمائهم ومياههم. فأمام كل هذا وذاك، وأمام تطويع الطبيعة وأنسنتها، وامتزاج الوطني بالجمالي، لا يمكن لك وأنت تتأمل هذا الإبداع البشري الذي يزكيه الإبداع السماوي ويبلوره والعكس صحيح، إلا أن تردد: “ناضي كندي”.
في نهاية هذا السيناريو دعونا نتأمل عبارتنا المغربية هذه “ناضي كندي” التي تحيل على أي مشهد أو كائن جميل، أو أي قول محبوك الصياغة، أو حدث متميز، أو فعل متقن الصنع كأن يطمئن مثلا أي مغربي آخر طلب منه إنجاز عمل ما فيعده قائلا:
– – كون هاني، غادي نضّيك
وبغض النظر عن إدراك قائلي هذا العبارة من عدمه لدلالتها اللغوية المتجسدة في مصطلح “ناضي” لا ضير من التعريف به، فهو اسم فاعل لفعل “نضا ينضو” أي سلّ وخلع وجرّد، فيقال: نضا السيف من غمده أي سلّه وأخرجه منه. ونضا الثوب عنه أي خلعه. ونضاه من ثوبه، جرده منه. تصدح أم كلثوم في رائعتها (الأطلال):
“وسوف أنضو الثوب عني ولم أُدْرِكْ لماذا جِئْتُ أين المفر”؟
وبالتالي حين تقول “ناضي كندي” فإنك تخلع عنك المسؤولية والتجريد من كل ما هو ناقص أو غير متقن الصنع، أو عديم المنفعة. أما نعث “كندي” فقد أملته ضرورة السجع والقافية بالدرجة الأولى، فما كل مردد لهذه الجملة قد عاش أو على الأقل زار كندا. من هذا المنطلق، أقول ناصحا كل شاب أو شابة أو أسرة مغربية حديثة التكوين:
– متى فكرتم بالهجرة خارج الوطن، فعليكم بكندا.
ولو كنت سبقت عائلتي الصغيرة التي استضافتني مشكورة طيلة شهر في مستهل هذا الصيف إلى هذا البلد، ما كنت أكتفي بنصحها بالهجرة إليها، بل كنت آمرها بها.
لكن ما دامت هي قد اتخذت هذا القرار واختارت هذا الفضاء تلقائيا أيا كانت الدوافع، فإنني على يديها أشد بحب وتقدير هامسا لها:
– إن قرارك واختيارك هذا “ناضي كندي”.
– سَلِينا –
31 يوليوز 2024