فن وثقافة

محمد الشوبي.. الممثل الملحاح 

"التلفزيون مديور غير للتكلاخ"

  نورس البريجة: خالد الخضري

  فقدت الساحة الفنية صبيحة يوم الجمعة 2 ماي 2025  الممثل الفنان محمد الشوبي الذي كانت تربطني به علاقة شخصية عميقة وقديمة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي حين كان هو طالبا بالمعهد العالي للفن المسرحي وأنا موظف بوزارة الثقافة بالرباط. وتربطه أيضا علاقة عمل وحب بمدينة الجديدة وإقليم دكالة، حيث أقام بالمدينة مدة طويلة  مع الفرقة الجهوية لعبدة دكالة متمرنا على دوره في مسرحية “خربوشة” في موسم 2000/2001 من تأليف سالم كويندي  وإخراج لحبيب لصفر، إلى جانب ثلة من الممثلين ضمنهم  المرحوم محمد بن ابراهيم.

كما تم تكريمه في الدورة 6 لمهرجان “الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة” سنة 2016.  أنجزت بعده سنة 2018  كتابا عنه يحمل عنوان : “محمد الشوبي، الممثل الملحاح” ضم مجموعة من القراءات و الدراسات في أعماله صاغها عدد من الزملاء النقاد والباحثين السينمائيين المغاربة، إضافة إلى حوار مطول أجريته معه ونشر بالكتاب طبعا.  وتم تعزيز كل هذا بباقة  من  صور ه في كثير من الأوضاع والمهرجانات ومعه أسرته الصغيرة. فيما يلي المقدمة التي صغتها لهذا الكتاب في الصفحات من6 إلى 9.

1 – ممثل “لصْقة”

يتميز الفنان الممثل محمد الشوبي عن كثير من الممثلين المغاربة بثقافته الواسعة واهتمامه الجدي بالآداب والفنون وقضايا الشأن العام، وبحضوره الإعلامي الفاعل من حين لآخر في الصحافة الورقية والإلكترونية، مبدعا لنص أدبي أو معبرا عن رأي أو مدافعا عن قضية أو شاهرا لسانه وقلمه في وجه المخالفين له في الرأي من مناهضي التيار الحداثي داخليا وخارجيا وغيرهم.

الفنان محمد الشوبي، زيادة على حبه لفن التمثيل أساسا الذي مارسه منذ صغره في دار الشباب بمراكش وفي مسرح الهواة حيث أينعت موهبته، عمل على شحذها في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط دون أن يزْوَرّ عن ولعه فتخصص في شعبة التمثيل،  وتخرج منه حاصلا على دبلوم فيه. ثم توظف مع وزارة الثقافة دون أن يتخلى عن التمثيل، لكن بدا له أن الوظيف سيعوقه عن ممارسة التمثيل فاستقال منه ليعود إلى التمثيل وليتسمر عاشقا وممارسا لفن التمثيل.

فإذا كان النبي (ص) يقول:” إن الله يحب العبد الملحاح” فنحن قياسا على ذلك –  دون أن ندعي النبوة طبعا –  إنما من باب الاقتداء يمكننا القول: “إن الفن يحب الممثل الملحاح”.. ومحمد الشوبي ممثل ملحاح ” لصْقَة” ومقنع بامتياز. ولعل أدواره العديدة والمتنوعة، على الركح كما في الشاشتين تشهد على ذلك بدءا من مسرحيات: (الصوت والضوء) للطيب الصديقي، (بوحفنة) و(اولاد البلاد) ليوسف فاضل و(شكون حنا؟) لإدريس اشويك، مرورا بمسلسلات: (دواير الزمان) و(المجدوب) لفريدة بورقية و(دار الغزلان) لإدريس الروخ إلى أفلام وفيرة: (السمفونية المغربية) لكمال كمال، (جوق العميين) لمحمد مفتكر، (عود الريح) لداوود اولاد السيد، (عايدة) لإدريس لمريني،(عطش) لسعد الشرايبي و(المسيرة الخضراء) ليوسف بريطل.

2 – “التلفزيون مديور غير للتكلاخ”

وبالتالي يمكن الجزم  إن محمد الشوبي ولد ممثلا، يعيش ويتنفس تمثيلا ، وسيبعث ممثلا دون أن يقلد زملاءه الذين انتقلوا من أمام الكاميرا إلى ورائها، ليمارسوا فعل الإخراج وبغض النظر هل توفقوا في مهمة الإخراج هذه أم لا. أما هو فظل ملتزما بحب التمثيل مسكونا بهوسه إلى درجة أنه غامر بمستقبله الوظيفي فقدم استقالته من الإدارة التي يتلهف عليها كثير من زملائه ليخلص ويتفرغ للفن، ولفن التمثيل بالدرجة الأولى. فعن سؤال ضمن الحوار الذي أجريته معه والمنشور طي هذا الكتاب، سألته عن رأيه في ظاهرة انتقال عدد من الممثلين إلى الإخراج، أجاب:

  • ((إذا كان التوجه للإخراج من أجل حاجة فنية تعبيرية قائمة في تجربة خاصة يريد الممثل أن يقتسمها مع الناس، ويهيئ لها كل وسائل النجاح والسمو فذاك ليس عيبا، إنما العيب في من يتخذ الإخراج مطية لأغراض شخصية، فتصبح الحالة هنا حالة مَرَضية، يعتقد بها الممثل أنه صعد درج السلم الفني من ممثل مقهور إلى مخرج له سلطة بين المخرجين. وهنا يتسلل الفشل والمرض الذي يقضي على ذاك الممثل، ولكن بعد أن يكون قد استنزف الوقت والجهد والمال لما يمكنه أن يكون مفيدا للسينما. أما التلفزيون فكل ممثل فاشل سيجد نفسه فيه لأن التلفزيون عندنا “ديور غير للتكلاخ” ويقوم بالفاشلين كركيزة أساسية، وقليل فيه ممن رحم ربك الذي لا يرحم)). ص: 62.

3 – السخرية أسلوبه

خاصية أخرى يتميز بها محمد الشوبي أو لنقل “لعنة ” إيجابية –  حبذا لو طالتنا جميعا – وهي المكاشفة والمواجهة.. فهو يفكر بصوت ثلاثي الأضلع: مكتوب / مقروء / مسموع.. فأفكاره التحررية، المشاكسة، الرافضة والمبرَّرة بقناعة يُحسد عليها، يقتسمها مع الجميع في موقع التواصل الاجتماعي “الفايس بوك” عبر صفحته الأكثر مقروئية مقارنة مع صفحات زملائه الفنانين، كما في الصحافة ثم في الكتاب. فالشوبي أول ممثل يصدر مجموعة قصصية (ملحمة الليل).. إذ هو بشكل أو بآخر يشاطرنا أفكاره الحميمية في عدد كبير من تجليات الحياة و”بلا حشمة، بلا حيا  وبلا خوف” في: السياسة.. والجنس.. والدين.. والرياضة.. والخمريات.. والفن.. والصحافة.. والثقافة.. وأشاء أخرى…

والجميل في هذا أن كل هذا المخزون الفكري والإنساني لدى محمد الشوبي، ممهور بروح خفيفة هي إلى المرح والهزل والسخرية أقرب. لكن في صلب هزله وسخريته يكمن جِده، فحتى في نقاشه للأفلام وفي حمى الانتقادات الساخنة واللاذعة أحيانا، مما يهيمن على مناقشة الأفلام مع مخرجيها وأبطالها في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، يصمت الجميع مهيئا نفسه للضحك حين يتناول محمد الشوبي الكلمة ليعبر عن رأيه في هذا الفيلم أو ذاك. فيندر ألا تهتز القاعة بالضحك حين ينهي مداخلته دون أن تنتقص سخريته أو هزله من جدية وثقل رأيه. هذه السخرية التي قال عنها الزميل الكاتب حسن نرايس في تقديمه لمجموعة الشوبي القصصية حيث كتب: “السخرية تقنية أدبية يبدع فيها الكاتب. السخرية سلاح ومواجهة ووقفة في وجه الظلامية. السخرية أسلوب والأسلوب هو الرجل”.

يكفي دليلا جوابه عن سؤال لي في الحوار الطويل المومأ إليه أعلاه، حول إحساسه بخصوص تكريمه في الجديدة حيث أجاب:

((تكريمي في عاصمة دكالة شيء أفخر به وأنحني له خصوصا في منطقة عزيزة على قلبي ولي فيها أصدقاء كثر. وكنت قد أقمت بها لفترة زاهية أثناء عملي مع الفرقة الجهوية لعبدة دكالة التي قدمت معها مسرحية (خربوشة). ولهذا أشكر كل المنظمين على هذه الالتفاتة التي تحمل في طياتها كرم أهل دكالة قاطبة، وأشكر بالخصوص الصديق الناقد نورس البريجة على هذا الاحتفاء جام “السُّكر” عفوا “الشكر”..)) – ص: 73.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button