سينمافن وثقافة

“وحده الحب” لا فرق بين مغربي وجزائري إلا باللهجة

نورس البريجة: خالد الخضري 

1 – حب مثل جبل عصفور

حصل المخرج كمال كمال على جائزة أحسن إخراج في الدورة السادسة لمهرجان “سينما الشاطئ” الذي أسدل ستارته ليلة امس السبت 30 غشت 2025 بالهرهورة. وقد عالج كمل فيلمه عبر قصة حب بين زوجين يعيشان بمدينة وجدة التي يعمل فيها الزوج حميد (الممثل الجزائري أحمد مفتاح) عازفا على آلة ترومبيت ضمن جوق موسيقي متخصص في أغاني “الراي”. ففي حوار شاعري بينهما إثر سهرة على الحدود تجمع بن مغاربة  وحراس في تناغم وانسجام تام حيث لا فرق بين المغربي والجزائي إلا باللهجة، تسأل الزوجة نورة (فاطمة بلدي) حميد عن كمية الحب الذي يحمله لها، يرُد أن قلبه الذي يكتنف حبها  كبير، شاهق وجميل مثل” جبل عصفور” فتطلب منه في الحين أن يأويها في قلبه / جبله هذا حية أو ميتة، وبرأيي لو أحل كمال اسم “جبل عصفور” هذا كعنوان للفيلم لكان أقوى، أجمل وأشد تعبيرا من العنوان التقريري المباشر المومأ إليه أعلاه.

وبالفعل حين تصاب نورة بمرض تعرف أنها لا محالة قاضية نحبها بسببه، تطلب من حميد أن يدفنها في قلبه ليفهم أنها تقصد “جبل عصفور” وهذا الجبل يقع في أعالي بني بوسعيد  بمنطقة تلمسان في الجزائر ويتميز بتضاريسه الوعرة، مساحاته الخضراء الخلابة ومنابعه العذبة على بعد 25 كلم من مدينة وجدة، حيث يمكن لمن يعتليه أن يشاهد هذه المدينة، كما يمكن لسكانها  بدورهم مشاهدة صخوره.

فيصاب بحالة هلع يردد معها وهو يبكي بمرارة:

” وكيف نعمل حتى ندفنها في ذاك الجبل وبيني وبينو السّلك والعسكر؟ عمرني ما غادي نقدر نوصل لو”

فلا يجد غير الترومبيت يفرغ فيها شجنه ويبثها كمده. لكن حكايتهما  تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم الجاف دون أن نعرف من رمى بالفتيل الأول أومن أولع الحكاية عبر تدوينة شاردة، يتعاطف معهما آلاف المتتبعين الذين سيصبحون مريدين يتبعون الزوجين  وجدانيا عبر المواقع  المذكورة في حياة الزوجة، ثم فعليا جسديا بعد وفاتها عبر مرافقة آلاف المشيعين لنعشها من الجهة المغربية لا يرددون شعارات ولا يحملون لافتات بل شموعا ومشاعل تضيء ظلام الحدود لتجعل من الديكور ككل لوحة جمالية تؤثثها موسيقى جنائزية بطريقة أوركسترالية  تبتدئ بتصفيق فردي لشابة – هي التي استهل بها الفيلم في أحد شوارع وجدة –  لا يلبث أن تنتشر عدواه إلى باقي الجموع المشيعة من الجانب المغربي كما من نظيره الجزائري حيث يستقبلهم نفس العدد تقريبا وبنفس الشكل والجميع يردد جملة واحدة:

“سوف نعمل على تحقيق حلم الأميرة”

وبالفعل يتم ذلك رغم تحركات العسكر ومناورات الباشا وباقي السلطات بمختلف درجاتها، حيث يدوخ كل أصحاب النفوذ والقرارات السياسية فلا يعرفون هل دفنت نورة في أرض المغرب أم الجزائر؟ وأين اختفى الرجل الكسيح الذي يقطن بالجزائر وكان كل أمله هو زيارة قبر زوجته للترحم عليها بمدينة وجدة ؟ وتلك المرأة (سحر الصديقي) التي حملت ابنتها لتريها لوالدتها وهي تصرخ باسمها مع ما يحمله هذا الاسم من دلالات:

“ماما.. هذه ابنتي واسمها أحلام”

فيحار المسؤولون هل التحقــت الجدة بابنتها وحفيدتها ؟ هذه الطفلة البريئة التي يتوقف الفيلم على فمها الصغير مشرعا  في لقطة ثابته وكأنها هي صاحبة ذلك الصوت الأوبرالي “سوبرانو” ترافقها التصفيقات والزغاريد والترديدات الجماعية في تناغم سيمفوني ضخم ومؤثر، منادية برفع الحـدود بين أحبة ومواطنين عزل من هذه الضفة وتلك، لا ذنب لهم ولا شنآن أو حرب بينهم بل “وحده الحـب” يجمع بينهم. حتى العسكري الصلف القاسي على زوجته والمقاطع لها (ربيع القاطي الذي أتقن اللهجة الجزائرية) يؤثر فيه الموقف الذي لا يعبر إلا على شيء واحد موحّد هو “الحب” فيبعث بخطاب لزوجته كاتبا:

“كل واحد عندو في قلبو أميرة ديالو وانا عندي زوج أميرات”

وينتهي الفيلم على فم الصغيرة ما زال مفتوحا صارخا وكأنها تنوب عما ذكره أحدهم بالفيلم: “دعهم يتكلمون أو يصرخون، فقد ظلوا صامتين لأزيد من 30 سنة” تُكتب على إثره  في النهاية هذه الجملة: “لدينا فن كي لا تموت الحقيقة” فردريك نيتشه.

2 – بناء سمفوني

في “وحده الحب” حل دور كمال كمال كموسيقي بتوظيفه لقدر هائل من مواهبه وكفاءته من مستهل الفيلم إلى متمِّه في تصاعد سيمفوني بالشكل الذي تُشيَّد به السمفونية التي تبتدئ بمقدمة رخيمة، تتلوها إيقاعات هادئة (تصفيق فردي في الشارع – معزوفات فردية على آلات متنوعة، أكورديون، ترومبيت، ناي غربي، قيثارة) لتتصاعد تدريجيا مع تصاعد الأحداث وتشابكها إلى أن تصل إلى الذروة عبر تكاثف تداخل جميع هذه الآلات وغيرها من كمنجات وفيولا نصيل انتهاء  بالكونترباص فصندوق الإيقاع الكبير مرفق بالصنجات النحاسية المدوية حيث تنفجر الموسيقى بشكل جارف إلى إن تصل أو تعود إلى منطقة الصفر الذي هو سكون تام – وليس صمتا – بل هو صمت هادر إن شئنا التعبير، أو كما ورد في أحد حوارات الفيلم: “هناك صمت لا ينبغي إزعاجه في الموسيقى” مما يدفعنا  لإطلاق نعث كوميديا  موسيقية على هذا الفيلم حيث أثثت الموسيقى أكثر من ثلثي  مشاهده بشكل حِرفي يتماشى وطرحه الموضوعي.

 

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button