
نورس البريجة: خالد الخضري

1 – قم للمعلم
“خجولا أطل” يحليني هذا الشطر الأول من قصيدة “القمر الأحمر” للفنان عبد الهادي بلخياط، والتي تعد من أروع الأغاني العربية، على الأستاذ المرحوم السيد بوشعيب العشّابي الذي وافته المنية يوم الاثنين 8 سبتمبر الجاري 2025 بمدينة الجديدة. هو والد الفنان الممثل والإعلامي مراد العشابي. فالراحل “السيّ العشابي” كان بحق رجلا خجولا لا تكلم كثيرا وبخفوت يضحك، لكنه كان دائم البشاشة، يزين محياه الأسمر شعر أسود أملس يكاد يغطي جبهته المنتهية بحاجبين كثيفين، يشبهه فيهما سائر أبنائه لاسيما ولداه فؤاد ومراد، بينما يختلف عنه مراد في شعر الرأس المجعد الذي يناسبه في مواقفه وأدواره الكوميدية على الشاشة. خلّف السّي العشّابي خمسة أبناء: فؤاد، نبيلة، مرية، مراد ثم ياسين.
السّي العشّابي عرفته معلما بالزمامرة دون أن أتتلمذ على يديه، كنت أراقبه من بعيد فيبدو لي من طينة ممثلي السينما المصرية في فترة الأبيض والأسود رشاقة، قامة وهنداما أمثال كمال الشناوي، عادل أدهم وعماد حمدي.لم أشاهد ولا مرة السّي العشّابي بدون رباط عنق. كان مثالا يقتدى به في اختيار لون اللباس المتناسق بدء من البدلة والقميص إلى رباط العنق فالحداء. كان بحرا من الإنسانية وكثلة من الأدب واللطف، فمن شدة لباقته وسمو خُلقه، كان دائما يناديني ب”السي خالد” ويسألني عن الوالد:
– كِداير السي الهاشمي؟ سلّم عليه.
لم يكن يفعل هذا معي أنا فقط بل مع الجميع فاكتسب احترام ومحبة الجميع. كان سائر التلاميذ يحبونه دون أن يهابوه فلم يكن عنيفا ولا كان يجلد بالمسطرة ولا بالعصا أو “يُحَمِّل” بعضهم لتناول “الفلاقة” على غرار ما كان يفعل بعض المعلمين سامحهم الله وإن أتى كثير من “فلاقاتهم ” و”تحميلاتهم ” أكله الإيجابي بالنسبة لبعض التلاميذ الذين لم يكن ينفع معهم لا توبيخ ولا عقوبة ولا “ما تجي حتى تجيب ابّك أو ولي أمرك”. فلم يكن مثل بعض المعلمين الذين كنا ونحن صغارا نختبئ إذا مروا بالشارع، بل هو كان من طينة الراقين خَلْقا، خُلُقا وأدبا، والذين كنا حين نراهم نهرع لتقبيل أياديهم. هو نموذج حي الذي أنشد فيه شوقي:
“قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا”
2 – معلمون علماء
إنه من رعيل المعلمين الفقهاء والعلماء الذين مروا معه أو سبقوه بقليل في نفس المؤسسة “المدرسة المركزية بالزمامرة” فأغلبهم كان حافظا للقرآن الكريم أمثال الوالد رحمه الله السِّي الهاشمي الخضري، والسّي الطاهر الموحِّدي، والسّي عِمران، السّي عبد الهادي شاكير، السّي الملاحظ، السّي الحبيب الاشهبـ، السّي الغزلاني، السّي الگومري، أو تزامنوا معه أمثال السّي عبد الرحمن علول والسّي محمد الاحرش، السّي البشير الخضري (عمي)، السّي شهيد، السّي مسعود فتوخ، السّي النعيمي، السّي الطاهري، السّي الحبيب، السّي الزاهدي، السّي عبد الهادي ضعيف (شافاه الله) السّي نقيرة. كما الذين درّسوا إلى جانبه بنفس المؤسسة بعدما تحولت إلى “إعدادية يوسف بن تاشفين” والتي سيتقلد فيها بعد التدريس، منصب الحارس العام قبل أن يصبح مديرا لها إلى حين تقاعده، فرافقه فيها كل من السّي عاصم، السّي السيوطي، السي الهضهاضي وغيرهم، رحم الله الأموات منهم وأطال عمر الباقين.
3 – تكوين عصامي
ولد السّي بوشعيب العشّابي بن الجيلالي بن الطاهر ويامنة بنت الكبير في العَوْنات إقليم سيدي بنور سنة 1943 وحفظ القرآن الكريم ولما يتجاوز عمره 12 سنة. ولج سلك التعليم كمُدرِّس ابتدائي سنة 1964 بدوار العگاگشة دائرة الزمامرة قبل أن ينتقل إلى مدرستها المركزية عام 1967. وفي مستهل ثمانينيات القرن الماضي تقدم كمرشح حر لنيل شهادة الباكالوريا فحصل عليها، تسجل بموجبها في مركز التكوين التربوي الجهوي بالجديدة CPR الشيء الذي رقّاه إلى مرتبة أستاذ اللغة العربية في نفس المدرسة التي تحولت إلى “إعدادية يوسف بن تاشفين”.. وتدرج في سلم ترقياته إلى أن أصبح حارسا عاما بها ثم مديرا إلى حين تقاعده سنة 2003.
هو من رعيل المعلمين الذي كانوا يحبون تلاميذهم، يعشقون مهنتهم ويتفانون في أدائها، حيث تخرج على أياديهم أكثر من جيل، هم حاليا أطر وازنة في مجالات الصحة والتعليم والتجارة والسياسية والأمن والفن والإعلام.
استفاد السّي العشّابي مثله مثل سائر مدراء المؤسسات التعليمية آنذاك، من السّكَن الوظيفي الذي تشيّده وزارة التعليم ضمن بقية مرافقها من أقسام وإدارة ومطعم، لكنه حين حصوله على التقاعد تخلى تلقائيا عن هذا السّكن ونقل عائلته برمتها – دون أن يُفرغ بيته بحي السلام بالزمامرة من العائلة التي أجّره لها – ليقطن في حي السلام بمدينة الجديدة حيث كان عضوا نشيطا في عدد من جمعيات المجتمع المدني وظل يقيم بمنزله فيها إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.



