نورس البريجة: خالد الخضري
1/1– شاي بغير نعناع.. في موسم بدون بارود
قبل أن تدوي أول طلقة من طلقات رياضة الفروسية في موسم مولاي عبد الله.. وقبل أن يعج بالزوار المتنقلين والمخيمين المقيمين.. وقبل أن يكتظ فضاؤه بالخيول والفرسان والراجلين والمطربين الجوالين و”الحلايْقِيَة” والقرّادين والمشعوذين والنشالين… وقبل أن تضج سماؤه بزعيق أبواق السيارات وهدير محركاتها.. وهتافات الباعة المتجولين… وقبل أن تغيب شمس أول يوم أنصب فيه خيمتي على مرمى قبلات من بحر أكبر موسم شعبي بالمغرب، آثرت أن أقاسمكم أول شاي بدون نعناع ولا سكر وأنا أتساءل عمن يكون هذا “العبد لله” الذي جمع حوله مآت المريدين في حياته ثم الآلاف إن لم أقل الملايين، بعد وفاته؟
1/2 – مولاي عبد الله: عبدي الولادة، دكالي النشأة، شريف إدريسي علوي الأصل.
اسمه الأصلي هو محمد أبو عبد الله.. ولد في مستهل القرن 6 الهجري / القرن 12م – بمدينة أيير Ayir الواقعة شمال مدينة آسفى بحوالي 50 كلم تجاه الوليدية على البحر، بحيث لم يتخلف منها حاليا سوى بقايا أبراج البرتغاليين الذين كانوا يحتلون عددا من المدن الساحلية ضمنها الجديدة / مازغان سنة 1502، ثم آسفي 1508 بعدها أيير 1512. وكان الاسم الذي أطلقه البرتغاليون على أيير هو “دار الفارس” Casa da caballero تميزت بإنتاج وترويض أجود الخيول العربية والبربرية.
ومولاي عبد الله هذا أصله من قبائل صنهاجة الأمازغيين، حيث رحل جده المولى اسماعيل أمغار (وتعني الشيخ والكبير) بن محمد في القرن 5 الهجري / ق11م إلى مدينة “تيط” أي مولاي عبد الله حاليا، ليقيم فيها ممتهنا التدريس الذي ورثه عنه ولده جعفر إسحاق المذكور، ثم من بعهد حفيده محمد أو عبد الله المشهور بمولاي عبد الله “حتى فتح الله على ابنه أبي عبد الله محمد أمغار، فظهر عليه صلاح وولاية واجتهاد في العلم والعبادة حتى بلغ مبلغا لا يبلغه إلا الأفراد العارفون” حسب ما أورده الفقيه الكانوني. كما وصفه ابن الزيات في التشوف بأنه: “كان من كبار الصالحين في عصره”. فعلى يده تتلمذ عدد من الفقهاء والصوفيون والعلماء ضمنهم الولي سيدي امحمد أوصالح دفين آسفي وأبو شعيب السارية دفين أزمور.
أما أصل مولاي عبد االله فهو شريف إدريسي علوي يمر عبر عبد الله بن إدريس باني فاس ليصل نسبه إلى الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن مولانا علي ابن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه شجرة نسبه كما أوردها الكانوني وغيره وهي مدونة في لوحة معلقة بضريحه حاليا:
“مولاي عبد الله محمد بن أبي جعفر إسحاق بن أبي الفذ إسماعيل بن محمد بن أبي بكر بن الحسين بن عبد الله بن ابراهيم بن يحيى بن موسى بن عبد الكريم بن مسعود بن صالح بن عبد الله بن عبد الرحمان بن محمد بن أبي بكر بن تميم بن ياسر(أو ياسين) بن عمر بن أبي القاسم عمر بن يحيى بن أبي القاسم بن عبد الله بن ادريس باني فاس بن عبد الله بن الحسين المثنى بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء رضي الله عنهم”.
1/3- رباط موسم مولاي عبد الله أمغار
“تيط” مسقط رأس سيدي عبد الرحمن المجذوب
تقع (تيط) على الساحل الأطلسي بمنطقة دكالة بعيدا عن مدينة الجديدة بحوالي عشر كلمترات على الطريق الساحلية المؤدية للوليدية. كما تعتبر هذه الحاضرة من المراكز العمرانية القديمة بالمغرب.
وتيط أو طيط هي مسقط رأس الناسك الحكيم والشاعر البوهمي الشهير سيدي عبد الرحمن المجذوب، الذي أُنجز حوله العديد من الدراسات والأبحاث والكتب والأعمال الدرامية. كما تغنى بأقواله وحكمه المأثورة الوفير من الفنانين العرب أفرادا وجماعات. ولد سيدي عبد الرحمن المجذوب سنة 1503م بتيط وتوفي كما دفن بمدينة مكناس غير بعيد عن ضريح السلطان المولى إسماعيل – سنه 1568م والتي هاجر إليها منذ طفولته حيث أنشد قولته الشهيرة:
جــيـــتْ من طيطْ بالعجْلـة والــــشـر زادنــي شْطاية
الخبــــز دخـْـلُـه الجــــصْ عـلاش يا طـالب ذا الـقـرايـة
نسب الحسن الوزان بناء مدينة طيط إلى القوط، الذين احتلوا موريتانيا الطنجية خلال الفترة الممتدة من 428 إلى 534م. ويفيدنا هنري دي كاستري أن طيط مدينة ضاربة في القدم ومنها كانت تتزوَّد منطقة دكالة قاطبة. وقد دلت الآثار المكتشفة في المنطقة على أن هذه البلدة عمرت في عهود مبكرة، كما افترضت الأبحاث المستندة إلى علم الطوبونيميا بأن الميناء المسمى في الأدبيات القديمة باسم رتوبيس كان يوجد على الأرجح في المكان الذي شغلته مدينة تيط.. وهذا يعني أن هذه الأخيرة من المدن القديمة في المغرب.(يتبع).
مراجع:
*(1) “التشوف إلى معرفة رجال التصوف” لابن الزيات.. أُلِّف عام (617هـ/1220م)
*(2) “دكالة وإيالتها جهة دكالة – عبدة: تاريخ وآثار” أبو القاسم الشيري
*(2) “كاتالوغ” أنجزته اللجنة المنظمة لموسم مولاي عبد الله سنة 2019.
*(3) “قصبة أيير Ayir بناحية مدينة آسفي” قناة الباحث والمؤرخ الأستاذ إبراهيم كريدية على اليوتيوب: Brahim Kredya
*(4) هذه المادة برمتها وبكثير من التفصيل مع سائر الفقرات أو المشاهد الخاصة بموسم مولاي عبد الله، منشورة بكتابي: “الجديدة بين الأمس واليوم” على امتداد 24 صفحة من 178 إلى 202.