نورس البريجة: خالد الخضري
على بعد حوالي 20 كلم من مدينة الجديدة جنوبا في اتجاه قبيلة حد اولاد فرج، تسترعي الانتباه مجموعة من البنايات الحجرية الغرائبية متناثرة على امتداد الطريق، ذات شكل هرمي أسطواني .. وما يبدو منها على جنبات الطريق غيض من فيض ليس إلا، لأنه كلما توغلنا في قرى ودواوير تلك المنطقة، تتناسل هذه البنايات التي بعضها يبدو مصانا مستعملا داخل مجمعات سكنية بينما البعض الآخر يتراءى مهجورا، لكن أغلبه ما زال قائما وإن تهدمت وتناثرت بعض أحجاره هنا وهناك.
تلكم هي “الطازوطا” أو “طازوطة” والتي لا توجد إلا في جهة دكالة وبالضبط في مدار تقدر مساحته بحوالي 25 كيلومتر مربعة ابتداء من أزمور مرورا بالشْعَيْبات، اولاد سالم، اولاد حمدان إلى حد اولاد عيسى، حيث يحصي بعض المالكين المهتمين بهذه البنايات التي تبدو فعلا “خرافية” نظرا لشكلها وتعدد استعمالاتها، ما بين 300 إلى 400 طازوطا، وإن بدأ بعضها في الاندثار والتهاوي – بفعل الإنسان بالدرجة الأولى – نظرا لصلابتها وقدرتها على الصمود أمام صروف الزمن ومنذ عهد سحيق، إذ تجمع أغلب الدراسات على أن عمر الواحدة منها لا يقل عن 300 سنة أي ثلاثة قرون فما فوق، بل إن هناك من يرجع بناءها إلى عهد الرومانيين أو الفينيقيين الذين مروا بالمنطقة. الأهداف التي بنيت من أجلها الطازوطا متعددة لكن من خلال معاينة شخصية لمواقعها من الداخل والخارج كما الجلوس والقيلولة ثم المبيت بها، تبين ،أن الهدف الأشد رجاحة الذي أنشئت من أجله هو السَّكَن.. وتقول دراسات إن هذه النوعية من البنايات الحجرية الضخمة و”الشاهقة” في عصرها، كان لا ينشئها ويسكن بها إلا الميسورين في الوقت الذي كان معظم المغاربة يقيمون في خيام شعر المعز أو وبر الإبل أو في أكواخ من القش والقصب، أي ما كان يسمي ب “النوايل” جمع “نوالة”.. فكانت الطازوطا بأحجامها وعلوها أعلى وأشد راحة نظرا لمتانتها وتأقلمها مع أحوال الطقس، إذ هي باردة في الصيف ودافئة في عز البرد !! وهذا شيء لمسته بنفسي ويمكن لأي كان، التأكد منه حاليا بالانتقال إلى عين المكان.- هناك أهداف أخرى أُنشئت من أجلها الطازوطا لا زالت تُحقَّق حتى الآن، كاستعمالها كمطبخ أو لتجميع القش وكلأ البهائم والأغنام حيث يحافظ على طراوته لمدة طويلة وأكثر من “الكوري” نظرا لامتياز الطازوطا بالتهوية الطبيعية لما بها من نوافذ.. ولتخزين الحبوب أيضا وإيواء بعض المواشي والدواجن في الحر كما في القر…- وقديما كانت لها وظيفة استراتيجية حربية إذ كانت تستعمل كبرج للمراقبة في زمن السيبة و”حرْكات” القبائل على بعضها البعض…أما اسم “طازوطا” فأصله بربري ويعني إناء الحريرة “الزلافة” مقلوبة.. ثم المرود الذي به تُكَحَّل العيون وأيضا الأحجار المنسوجة…ترتبط الطازوطا بالوفير من الأحداث والحكايا المدهشة بل والغرائبية بعضها واقعي ملموس ولحد الآن تجد نفسك مفتونا ومنبهرا به حتى ولو صعب عليك تصديقه، يمكنك معاينته بالصوت والصورة من خلال الرابط التالي: