موسيقى

عندما يأتي المساء على البياتي

بمناسبة اليوم العالمي للموسيقى

نورس البريجة: خالد الخضري

1 – عندما يهل المساء على عبد الوهاب 

مشهد غروب الشمس أكثر من ساحر وخلاب.. مشهد استثنائي في حياتنا اليومية لا يدوم سوى ثوان أو دقائق بالكثير، عبر تراتبية تشكيلية تتدرج بين اللون البرتقالي والقرمزي وصولا إلى الأحمر القاني، عبر تفاوت في درجات الضوء خصوصا مشاهد الغروب على البحر… ولهذا افتتن به البشر قاطبة منذ أقدم العصور ولا زالوا حتى الآن.. فخلده فنانون تشكيليون في لوحات.. وفوتوغرافيون في صور.. وكتاب وشعراء وزجالون في مقالات وقصائد.. وسينمائيون في أفلام.. ومطربات ومطربون في أغاني وموشحات لعل أبرز مثال في الرافد الأخير، الأغنية التي استقيت منها عنوان هذه الماد (عندما يأتي المساء) لحن وأداء محمد عبد الوهاب، كلمات الشاعر محمد أبو الوفا، إنتاج سنة 1938. أدرج نصها كاملا نظرا لقصرها وعذوبة كلماتها:

عندما يأتي المساء، ونجوم الليل تُنْثر                                اسألوا الليل عن نجمي، متى نجميَ يظهر؟

عندما تبدو النجوم في السما، مثلَ اللآلئ                          اسألوا هل من حبيبٍ، عنده علمٌ بحالي؟

كلُّ نجمٍ، راح في الليل بنجمٍ يتنور                                    غيرَ قلبي، فهو ما زال، على الأفقِ محيَر

يا حبيبي، لك روحي، لك ما شئت وأكثر                            إنَّ روحي، خير أفق فيه أنوارك تظهر

كلَّما وجَّهتُ عيني نحو لمَّاح المحيَّا                                  لم أجد في الأفقِ نجماً واحداً يرنو إليَّ

هل تُرى يا ليل أحظى منكَ بالعطف عليَّ                         فأغني وحبيبي، والمنى بين يديَّ.

2 – يَا شَمْسَ العَشِيَّة أمْهِلْ لا تَغِبْ

وفي شعرنا المغربي تبقى أشهر قطعة ذات صلة بالموضوع هي “شمس العشية”
المعروفة في ريبتوار الموسيقى الأندلسية… ورد في بعض كلماتها:

شَمْسُ العَشِي قَدْ غَرَّبَتْ وَاسْتَعْبَرَتْ         عَيْنِي مِنَ الفُرْقَا
عَلَى الشَّفَقْ قَدْ سَطَّرَتْ حِينَ غُيِّبَتْ         زَادَ العَشِيقْ شوقا
حَتَّى الطُّيُورْ قَدْ غَرَّدَتْ وَتَرَنَّمَتْ                 تَرْثِي عَلَى الوَرْقَا

يَا شَمْسَ العَشِيَّة                            أمْهِلْ لا تَغِبْ بِالَّلهِ رِفْقَا
هَيَّجْتِ مَا بِيَ                            حَتَّى زِدْتَنِي فِي القَلْبِ شَوْقَا
3 – مساء خليل مطران على البحر

أما في الشعر العربي فكثيرة هي القصائد التي أبدعت في وصف الغروب وتجلياته البصرية كما تأثيراته الوجدانية، من أشهرها قصيدة “المساء” لخليل مطران التي يقول بعض أبياتها:

مُتَفَرِّدٌ بصَبَابَتي، مُتَفَرِّدٌ بكَآبَتي، مُتَفَرِّدٌ بعَنَائِي

شَاكٍ إِلَى البَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي      فيُجيبُني برِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ

ثَاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَ، وَلَيْتَ لي قَلْبَاً      كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ!

ينْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي              وَيَفتُّهَا كَالسُّقْمِ في أَعْضَائي

وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الجَوَانِبِ ضَائِقٌ كَمَدَاً     كَصَدْرِي سَاعَةَ الإمْسَاءِ
وَالشَّمْسُ في شَفَقٍ                   يسيل نُضَارُهُ فَوْقَ العَقِيقِ

عَلَى ذُرَىً سَوْدَاءِ

مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّرَاً         وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ

فَكَأَنَّ آخِرُ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ           مُزِجَتْ بآخِرِ أَدْمُعِي لرِثَائي

وَكَأَنَّني آنَسْتُ يَوْمِي زَائِلاً      فَرَأَيْتُ في المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي

4 – غروب ونغم على البياتي

بدوري فتنت بمشهد غروب الشمس منذ صغري، فنادرا ما يفوتني تصويره متى توفرت بيدي آلة تصوير ولو مجرد هاتف، حتى وجدت بحوزتي مِآت الصور الموثقة لتلك اللحظات الحميمية في فضاءات كثيرة ومختلفة في ربوع المملكة، حين تودع فيها أجزاء من الكون، النهار وضوءه لتستقبل الليل وعتمته فظلامه أو بدره. فآثرت اقتسام مشاهد هذه اللحظات الساحرة مع القراء والمشاهدين. لكن وفرة هذه الصور ولحد التخمة، صعّبت علي مهمة الاختيار، فقررت أن أقتصر على بعض صور الغروب التي التقطت بمسقط قلبي الجديدة وبعض شواطئها القريبة بإقليم دكالة مثل سيدي بوزيد، سيدي عابد، مولاي عبد الله، الحوزية، أزمور.

كما طلبت من عدد من أصدقائي الفنانين والعازفين المهرة على آلة الكمان أن يسجل لي كل واحد منهم معزوفة صامتة على مقام “البياتي على الصول” تتراوح بين 3 و4 دقائق، إذ هو مقام شجي مفعم بالحنين والحميمية تبعث نغماته على التأمل والتمعن، كما الاسترخاء والاستجمام. فكانوا 8 عازفين استجابوا للطلب مشكورين، سترد صورهم وأمساؤهم أدناه وفي داخل الفيديو. ثم أرفقت أجزاء من معزوفاتهم هذه بصور 8 مشاهد في 8 فضاءات مختلفة مما ذكر.

لماذا رقم 8؟ لأنه يساوي عدد حروف السلم الموسيقي الثمانية كما سيتم شرحه في الفيديو المرفق. وبهذا أكون قد مزجت متعة عيد الموسيقى أو اليوم العالمي للموسيقى (21 يونيو) مع انطلاق فصل الصيف رسميا، بهذه المشاهد الخلابة لأفول الشمس والتي تمثل في حد ذاتها ترنيمة طبيعية أبدعتها يد الخالق عزوجل في لحظة من أقوى لحظات اليوم.

5 – ثمانية فضاءات وثمانية عازفين

  • كورنيش شارع النصر على الطريق الشاطئية تجاه سيدي بوزيد، الجديدة:الفنان عبد الفتاح وكِلي
  • حي سيدي موسى، الجديدة: الفنان عمر الغربي
  • سيدي بوزيد: الفنان عبد الله بنقرايو (ولد الحلْوي)
  • سيدي عابد: الفنان الشيخ ولد مبارك الخريبكي
  • مولاي عبد الله: الفنان ياسين امعيز
  • شاطئ الجديدة: الفنان الشيخ محمد العكبة
  • حي الكدية – الجديدة: الفنان سعيد المجاهد الرباطي
  • سيدي وعدود، الحوزية – أزمور: الفنان بوشعيب الجديدي
  • كل عيد موسيقى وأنتم رائقون.. ولمشهد غروب الشمس أينما كان وكنتم متذوقون.

Related Articles

2 Comments

اترك رداً على عبدالله الكواي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button