نورس البريجة: خالد الخضري
عُرض مساء يوم السبت 19 أكتوبر أول فيلم سينمائي روائي طويل في المسابقة الرسمية للدورة 24 بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة تحت عنوان (قصة وفاء) إخراج علي طاهري بطولة: محمد اخيي، أمين الناجي، البشير واكين، محمد ظهرا، بنعيسى الجيراري، جمال العبابسي وآخرون. وتدور أحداثه حول بعض المغاربة الذين تعرضوا للاختطاف من قبل مرتزقة البوليساريو وتم احتجازهم بمخيمات تندوف مصورا معاناتهم النفسية والجسدية على مدار عشرين عاما من 1984 إلى 2004.
ما تزال قضية الصحراء المغربية مصدر إلهام لكثير من السينمائيين المغاربة حيث نعاين من حين لآخر أفلاما وثائقية وروائية، قصيرة وطويلة ينطلق بعضها من أحداث واقعية كما حدث مع الفيلم الروائي الطويل (صحاري سَلّم واسعى) للمخرج ذي الأصول الصحراوية مولاي الطيب بو حنانة انطلاقا من وقائع عاشها والده وأسرته منذ نزوح الاستعمار الإسباني عن مناطقنا الصحراوية. كما أن معظم الطاقم الفني والتقني لفيلم بوحمالة صحراوي باستثناء الممثل محمد اخيي الذي ظل قاسما مشتركا بينه وبين فيلم على الطاهري موضوع القراءة هاته.
هناك أيضا نقطة اشتراك قوية وتشابه بين فيلم (قصة وفاء) من حيث المضمون وفيلم (سيگا) لربيع الجوهري، إنتاج مصطفى بوحلبة الذي ينطلق من واقعة اختطاف الصحفي عبد الغفور الذي يكتب عن الوحدة الترابية للمغرب، ليلة زفافه من عروسه من طرف عصابة من البوليساريو في ثمانينيات القرن الماضي، زاجّة به في سجون مخيمات تندوف ليقضي هناك 21 سنة يعاني فيها أصنافا من العذاب والإهانة تنتهي بفراره وعودته لأرض الوطن.
ففيلم (قصة وفاء) يبدأ تقريبا بنفس البداية مع فارق أن العروسين يتم اختطافهما معا حيث سيغتصب قائد انفصاليي البوليساريو (أمين الناجي) الزوجة مفتاحة منجبا منها ابنه طه قبل أن يرديها قتيلة، وهو المغربي الذي غُرِّر بما يسمى بالجمهورية الصحرواية فارتكب مجازر بالجملة والتقسيط لدرجة لم يعد يستطيع معها العودة لأرض الوطن حينما طلب منه ابنه ذلك مذكرا إياه بمصداقية القولة: “إن الوطن غفور رحيم” لكنه يرد بيأس قاتل:
” الوطن غفور رحيم نعم، لكن الضمير ليس بغفور ولا برحيم” ثم ينهي حياته / معاناته برصاصة في رأسه. وهي نفس النهاية التي سيلقاها الانفصالي في فيلم (سيگا) الذي ستتم تصفيته بجنيف حين يفكر بالعودة لأرض الوطن.
ويستمر اعتقال زوج مفتاحة ماجد الخياط المعاق (محمد ظهرا) لمدة 20 سنة أيضا يشاهد ويعاني خلالها أهوالا من العذاب التي يعسر تصديقها كإرغام بعض المعتقلين المغاربة على دفن إخوتهم أحياء، أو التبول على وجوه وأفواه من يطلب منهم جرعة ماء.
للإشارة، شارك محمد ظهرا في كتابة السيناريو إلى جانب إسماعيل طه وقام بمهمة تنفيذ الإنتاج في إطار شركته “نايس برود”، كما أدى دور (البطولة) السينمائية إن شئنا التعبير باعتبار أن كل المعتقلين المغاربة أبطال في الحياة، حيث أثبت ظهرا كفاءته في أداء الأدوار الدرامية مثلما أجاد في أدائه للأدوار الكوميدية سواء في إطار الثنائي “الصداقة” الذي جمعه مع زميله عبد الخالق فهيد في بداية مشوارهما الفني أو في بعض الأعمال السينمائية والتلفزيونية الكوميدية لا سيما أعمال عبد الله فركوس التي كتبها بنفسه.
وهذا يقودنا تلقائيا إلى الإشادة بأهم عنصر دعم (قصة وفاء) والذي هو التشخيص، حيث ضم الكاستينغ باقة محترفة متمكنة من أدواتها لا يمكن تفضيل أحدهم عن الآخر فكلهم أباطرة في ميدانهم: محمد اخيي، أمين الناجي، بنعيسى الجيراري، البشير واكين، عمر العزوزي و جمال العبابسي إضافة إلى ثلة من الممثلين الصحراويين من بينهم بطل فيلم (صحاري سَلّم واسعى) محمد أبو الشايت،وخصوصا زميله محمد الجميعي الذي أدى دور المغربي الذي يتم دفنه حيا، إذ قبل برمي التراب حقيقة على وجهه وجسده دون تمويه أو بديل. وبهذا يكون سائر الممثلين قد بذلوا مجهودا خرافيا وكأنهم يعانون الحدث فعليا دفاعا عن هذه القضية الوطنية وليس فقط يمثلونه. أدارهم وبحرفية ملحوظة أيضا، علي الطاهري الذي وظف فضاءات الصحراء في عدد من تضاريسها الخارجية كالكُتبان الرميلة والوهاد ومشاهد الغروب والبدر، ثم الداخلية كدهاليز السجون الأرضية والخيام.
كل هؤلاء الممثلين وقفوا أمام كاميرا مدير التصوير علي بنجلون الذي استطاع إبراز جماليات الصحراء دون سقوط في “الكارتبوسطاليزم”، دعمته موسيقى تمتح من التراث الصحراوي وقّعها وبتحكم معهود الفنان فتاح النگادي. دون نسيان عنصر الماكياج الذي منح لجميع الممثلين سحنات مستفزة معفرة بالتراب والعرق والبصاق ومثيرة للشفقة من فرط التعذيب، مرور الزمن والعيش في عتمة الدهاليز كالشيب والتجاعيد، تساقط الأسنان والذبول.
بعنوان تقريري مباشر بلّغت (قصة وفاء) الرسالة في مجملها بفضل العوامل المذكورة تفاعل معها الجمهور وصفق أثناء العرض دون تسجيل حالات خروج من القاعة وهذا مكسب، خصوصا في نطاق مهرجان سينمائي جمهوره نخبوي ومختلف تماما عن الجمهور العام، لولا بعض الافتعال الذي شاب محاولة فرار الأسرى المغاربة، إذ بسهولة إن لم أقل بسذاجة تم تدبيرها وبسهولة أيضا اكتشف أمرهم وملاحقتهم ثم إعادة الأحياء منهم إلى السجن، لتبدأ حكاية أخرى مططت الفيلم وأثرت على حمولته الدرامية سلبا من حيث الطول.