حصرياتسينما

“أوتيستو” محمود.. ديما ناشط

يمكن تطويع التوحد

نورس البريجة: خالد الخضري

1 – كاستينغ محكم

من حسنات المهرجان الوطني للفيلم  أنه يبيح للمهتمين بالفن السابع الاطلاع على أحدث الإنتاجات السينمائية المحلية بمختف أنماطها ومواضيعها بما فيها الأفلام القصيرة والوثائقية التي لا تجد طريقها للعرض في القاعات السينمائية مهما بلغت قيمتها الفنية والتقنية ومهما نالت من جوائز. بل وحثى جزء كبير من الروائية الطويلة، فقليل منها يصل إلى شاشات العرض السينمائي قبل التلفزيوني.

في الدورة الخامسة والعشرين المنظمة حاليا بمدينة طنجة، شهدت التشكيلة المبرمجة من الأفلام تنوعا على مستوى المواضيع يبدو بعضها حديثا ك”التوحد” الذي اشترك فيه فيلمان روائيان طويلان، يحمل أولهما عنوان: (عزيزي الصغير) لكريمة كنوني والثاني: (أوتيتستو) سيناريو وإخراج جيروم كوهن أوليفار، بطولة: لبنى أبيدار، التونسي  يوسف بوقرة الزينة، إسماعيل أبو القناطر، عبد الله شاكيري وساندية تاج الدين.

يتناول الفيلم معاناة مليكة المطلقة ( أبيدار) مع ابنها المراهق آدم المصاب بتوحد حاد، حيث تمضي حياتهما معا بين نوبات الصراخ والهيجان وهيستيريا التوحد والإرهاق، مما جعلها تعيش في دوامة من الخوف والقلق على مصير ابنها بعد وفاتها حتى وإن أودعته لدى مؤسسة متخصصة. تتراءى لها في كوابيس تومها دائما والدتها المتوفاة فألحت عليها صديقتها وزميلتها في العمل بإحدى الخمّارات، أن تزور قبر أمها فربما تجد حلا لمعاناتها. وفعلا تستجيب مليكة  حيث سيتعرف آدم على حارس المقبرة الشيخ  محمود (إسماعيل أبو القناطر) ليدخل معه في علاقة صداقة أو أبوة حميمية وهو من أطلق عليه اسم أوتيستو، حثى غذا آدم لا يطيق فراقه وأصبح يشتغل معه في المقبرة بغسل وتنظيف القبور، الشيء الذي جعل مليكة ترضى بالأمر الواقع مادام ابنها أخيرا قد وجد عملا – وإن بدون أجر- يشغله عن مرضه ويشعره أنه دو جدوى في هذه الحياة.

2 – زيديني ضربا

هو موضوع ليس بالهين تبنيه ولا من السهل تصويره نظرا لتعقيداته النفسية، لكن جيروم تحكم في زمام أمره عبر كاستيننغ محكم على رأسه الشاب يوسف ابن 18 سنة المولود في تونس والذي أقام بالدارالبيضاء مع والديه 15 عامل قبل أن ينتقل إلى باريس لمتابعة دراسته في السينما قسم الإخراج. والواقع أن من لا يعرف يوسف عن قرب، يعتقد أنه مصاب فعلا بالتوحد حيث لبسته الشخصية ولبسها عن آخرها في صحوها، هدوئها وصفائها، وفي نزقها، نرفزتها، رعونتها  وعدوا نيتها. وقد اعتقدته متوحدا في الواقع بعد رؤيته حين انتهاء الفيلم قبل أن أحاوره، إذ هو في طبعه جد هادئ، يتحرك ببطء ويبتسم باستمرار. تبدو وراء نظارتيه عينان صغيرتان جدا تشعان ذكاء وبراءة في نفس الوقت، وشخصيا أتوقع له بجائزة أحسن ممثل حتى ولم تمنحها له لجنة التحكيم، رغم أنه أول دول له في السينما.

بقية الممثلين أغلبهم محترف: لبنى أبيدار، بشخصها  المتحدي وحواراتها الجريئة.  سادية تاج الدين، التي قدمت نموذجا يقتدى به للمرأة المساندة لصديقتها وزميلتها ولا تتخلى عنها رغم مل تتلقاه منها من سباب ومعاملة فضة. إسماعيل أبو القناطر، الشيخ الحكيم، الوحيد الذي استكان إليه آدم وألجم نرفزته واندفاعه. فحل أداؤه متجانسا مع سنه، هيأته، هندامه  ووقاره، فهو لا يتكلم إلا قليلا وببطء ليبقى كثير من أقواله بمثابة حكم حيرت مليكة، فغدت تمقته وتنثر الورد الأسود فوق قبره وهي تشبعه سبا وشتما. لكنها حين تعاين تحسن حال ابنها بفضله وهو يردد بفرح طفولي: “أوتيستو ناشط..  أوتيستو ناشط” كما لا يكف عن ذكره  وهو يتأتئ: ” أوتيستو… محمود… ديما” حين ترى الأم كل هذا التعيير الإيجابي الذي طال ابنها، تتعاطف مع الشيخ أو الحكيم محمود  فتسحب كل ما تفوهت به في حقه وهي تدعو له بالرحمة والمغفرة.

عبد الله شكيري صاحب الحانة التي تشتغل فيها مليكة والتي يُكِن لها حبا غائرا وشبه ميؤوس منه لا يقطع أمله منه ولا منها، يحب الشعر ولا يلبث يغازل مليكة بواسطته. لكنها لا ترى فيه إلا عجوزا منحلا ومجحفا لحقوق العاملين عنده، لكنه في داخله يضمر إنسانية كبيرة  ونقاء روحيا، إذ رغم تناوله لعلقة ساخنة منها وهو يردد: “زيدين ضربا زيديي” يسمح لها بالرجوع إلى عملها متوعدا كل من يمسها بسوء، شخّص عبد الله شاكيري هذا الدور المركب بكفاءة أقل ما يقال عنها: إنها مقنعة.

طبعا هناك آليات أخرى وظفها الفيلم لتبليغ رسالته / رسائله غير التمثيل، كالتصوير والديكور الذي توزع بين الداخلي والخارجي بتنقله بين منزل مليكة الضيق والحانة المعتمة والمستشفى والمدرسة… وبين الشارع والأسطح والمقبرة عبر تناسق تناسق جمالي حتى في المقبرة، ساندته في ذلك موسيقى تصويرية ساهمت بدورها في تبليغ محتوى الفيلم.

 

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button