هل غدا تشويه التاريخ وإتلاف الجمال والهوية بالجديدة، سنة مؤكدة ؟ الإجابة في 8 مشاهد التالية
نورس البريجة: خالد الخضري
المشهد 2: قاعات سنيمائية تهدم بالجملة
بعد الكازينو تم هدم القاعات السينمائية الأربعة التي كانت بالمدينة والمرتبة حسب تواريخ بنائها، إذ شُيدت أولاها وهي: – “سينما باريس” وسط شارع الحنصالي لمالكتها الفرنسية “مدام ديفور” سنة 1920 وكنا نسميها “سينما ديفور”.. هذه السيدة هي أول من فتحت عيني على النقد السينمائي حين كانت تطلب إلي كتابة ملخص قصير عن بعض الأفلام التي أشاهدها مقابل فرجة مجانية بين الفينة والأخرى، وكان ذلك في مستهل سبعينيات القرن الماضي.. كما كانت تمدني بالمجلات السينمائية المتخصصة وعلى رأسها مجلة Première الفرنسية الشهيرة.. أغلقت سينما باريس سنة 2003.
– سينما “الريف” وكانت توجد بشارع الحنصالي أيضا غير بعيد عن سينما باريس، سُميت حين بنائها سنة 1927 باسم سينما “ميتروبول” .. ثم تحولت إلى “سينما التاج” وقد حملت بالفعل مجسم تاج في مدخلها فوق الإطار الخشبي الذي كان يُعلق به ملصقا الفيلمين المعروضين، كما يبدو ذلك واضحا في الصورة المرفقة. ثم أصبحت فيما بعد “سينما الريف” التي حلت محلها الآن (قيصارية الريف) مثلما حلت (قيصارية باريس) محل “سينما باريس”.. ولن نندهش متى وجدنا مستقبلا قيصارية تحمل اسم (قيصارية مرحبا) محل ما تبقى من “فندق مرحبا”.
– وكما حل اسم (مركز مرحبا) Centre Marhaba محل “سينما مرحبا” التي كانت ثالث قاعة سينمائية تبنى بالجديدة سنة 1952 بشارع الجامعة العربية الذي تحول الآن إلى شارع محمد السادس، وأُغلقت سنة 1999. وقد سبق أن أعددتُ رسالة مفتوحة سنة 1997 وقعها عدد من الفعاليات الثقافية والفنية والفكرية بمدينة الجديدة، نطالب فيها بالتدخل للحيلولة دون إغلاق تلك القاعة الرائعة وُجهتْ نسخ منها لكل من: عامل المدينة، وزارة الاتصال، وزارة الثقافة، المركز السينمائي المغربي، المجلس البلدي، جمعية دكالة، جمعية رعاية الأعمال الاجتماعية والثقافية… كما نُشرتْ بعدد من الجرائد الوطنية.. الرسالة هذه واردة بنصها الكامل وأسماء جميع الموقعين عليها تحت عنوان: (الجديدة مدينة بلا سينما) في كتاب” الجديدة بين القلب والقلم” في الصفحات من:124 إلى 128.
• تجدر الإشارة إلى أن السيد محمد القومي/ مالك سينما مرحبا، بادر ببناء قاعة سينمائية تحمل نفس الاسم بآزمور، ذات هندسة جميلة غير بعيد عن ضريح مولاي بوشعيب في بداية تسعينيات القرن الماضي.. فاشتغلت لزمن ليس بالهين لكنه اضطر لإغلاقها لأسباب عدة في نفس الآونة التي أغلق فيها نظيرتها بالجديدة، أي في متم التسعينيات. ولا تزال بناية “مرحبا آزمور” إلى الآن قائمة بشاشتها، كراسيها كما آلة تشغيل أفلامها 16 و35 ملم.
– سينما الملكي لصاحبها المرحوم ابّا موسى بنيعگوب المعروف ب (بوحلوفة) وسميت أيضا باسمه.. بنيت في مستهل سبعينيات القرن الماضي وأغلقت في تسعينياته. توجد أو بالأحرى ما تزال بنايتها المنخورة من الداخل في حي شعبي بزنقة الساقية الحمراء – زنقة ليل Lille سابقا – في درب غلف أمام مخبزة الملكي ولصق حمام بوحلوفة الذي تعود ملكيته لنفس الشخص. والطريف أن بعض العمال الذين كانوا يشتغلون في الحمام عملوا أيضا في السينما، فكم مرة وأثناء عرض الفيلم، كان أحدهم يدخل لينادي زميلا له بصوت مرتفع كي يلتحق بالحمام لحك ظهر زبون أو تدليكه أو ما شابه!
من باب الشهادة والاعتراف بأيادي مدت من طرف بعض رجال السلطة الذين حاولوا إنقاد بعض ما تبقى من قاعات السينما بالجديدة، في عهد عامل الجديدة السيد معاد الجامعي، طلب إلي الكاتب العام للعمالة السيد محمد قرناشي الذي أصبح حاليا عاملا على إقليم الفقيه بن صالح منذ سنة 2015، الاتصال بمالك سينما بوحلوفة من أجل التفاوض معه لشراء هذه القاعة من طرف العمالة في أفق تخصيصها أولا لمهرجان “الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة” ولتستمر ثانيا مكسبا لمدينة الجديدة حتى لا تبقى هذه الأخيرة محرومة من أية قاعة سينمائية. لكنني ورغم عدة محاولات لم أستطع مقابلة ابّا موسى لأنه كان مريضا، إنما أخبرني أحد أبنائه أن القاعة بأرضيتها بيعت لبناء مركب تجاري محلها غالبا ما سيكون هو الآخر “قيصارية” !!
وهكذا كتب على الجديدة أن تدك فيها القاعات السينمائية واحدة تلو الأخرى دون بديل نشيط حركي لحد الساعة. (المركب الثقافي “القادري” الذي بني مؤخرا يضم قاعة للعروض الاستعراضية ضمنها السينما لم تشرع في الاشتغال بعد، ولذا لا يمكن الإقرار أنه عوض النقص أو الفراغ الحاصل من حيث القاعة السينمائية بالجديدة). صحيح إن إغلاق وهدم القاعات السينمائية الجديدية يعود لمالكيها أو لورثتهم من بعد وليس للمسؤولين عن مجاليْ الفن والثقافة، ولكن هذا من ذاك، فعقليات الخواص في الشأنين الثقافي والفني بالجديدة لا تختلف عن عقليات المنتخَبين والماسكين بالسلطة، بالمال وبالقرارات السياسية في نفس المدينة.