نورس البريجة : خالد الخضري
فاز الطبيب المغربي المختص في العلاج بالوخز بالإبر الصينية، الدكتور محمد خليل بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة ،فرع الرحلة المعاصرة 2024/2023 التي ينظمها المركز العربي للأدب الجغرافي /ارتياد الآفاق بأبي ظبي عن كتابه: “هكذا عرفت الصين، مشاهدات أول طالب مغربي “-
1 – كتاب من صلب هاتف
يقع الكتاب في 258 صفحة من الحجم المتوسط، مديل بألبوم صور في عشر صفحات بالأبيض والأسود ليصل المجموع 270 صفحة. سرد الكاتب سيرته الذاتية منذ أن حطت قدماه بلاد الصين سنة 1978 إلى أن تخرج سنة 1986 عائدا للمغرب ليفتح أول عيادة متخصصة في العلاج بالوخز بالإبر الصينية في نفس السنة بحي المعاريف بالدار البيضاء، واستمر راويا عن عدد من إنجازاته كرئيس لجمعية الصداقة و التبادل المغربية الصينية.
الدكتور محمد خليل، رغم أنه ليس بكاتب ولم يسبق له أن نشر نصا روائيا ولا قصصيا، تخاله مؤلفا متمرسا وأنت تقرأ كتابه، إذ استطاع بأسلوب بسيط محكم – لولا بعض المطبات اللغوية الهينة التي يعود بعض منها ل”كلافيي” الهاتف، حيث أقر لي أنه صاغ العمل برمته على متنه…؟! هي مطبات يمكن تفاديها في طبعة لاحقة منقحة ومزدانة بصور ملونة أكيدا ستصفي العمل فسحة بصرية متى أوردها داخل النص وليس في ملحق إضافي. فقد إستطاع أن يصوغ سيرته الذاتية بانسياب يجعلك تقرأ – أو بالأحرى “تشاهد” – كل ما ومن كتب عنه في بلاد الصين، فظل وفيا للشطر الثاني من عنوان الكتاب: “مشاهدات أول طالب مغربي” حيث ترى وتسمع مجمل ما يحمله إليك مجرى الصوت من حوارات، مؤثرات وموسيقى، بما في ذلك الصمت وهسيس الرياح والتصفيقات وصياح المتظاهرين في ساحة “بوابة السماء المفتوحة” تيان امان ” بالعاصمة بيكين ولكأنك تشاهد فيلما وثائقيا بين دفتي كتاب
2- أسلوب وصفي
اعتمد محمد خليل أسلوبا وصفيا دقيقا للشخوص بسحناتهم ملامحهم والبستهم، كما للديكورات وفضاءات الأحداث وطبيعتها الاجتماعية، السياسية والاقتصادية في عصر ما بعد الثورة الثقافية التي شهدتها الصين في عهد ماوتسي نونغ وتبنتها زوجته من بعد لكن بشكل ديكتاتوري فانقلبت عليها الآية وحوكمت هي وعدد من أتباعها. كما قدم تعاريف وأوصاف مسهبة ودقيقة لعدد من معالم الصين السياحية والتاريخية لعل أشهرها سور الصين الذي حكى أنه “بدأ قبل 2000 سنة، وقد أدرجته اليونسكو خلال تلك السنة التي وصلت فيها إلى الصين ضمن قائمة الثرات العالمي. يبلغ طوله 21000 كيلو متر، وعلوه يختلف من مكان إلى آخر، وقد يصل في بعض الأحيان إلى ثمانية أمتار، وعرضه قد يصل في بعض الأماكن إلى 3 أمتار، حيث يمكن أن تمر فيه عربة خيول. يتكون من ممرات وأبراج للمراقبة، بلغت خلال حكم أسرة مينغ أكثر من 7000 برج، وهي منارات يتم إشعال دخان في أعلاها في حالة وجود خطر داهم، وكلما كان الخطر كبيرا كان الدخان أكبر. وعند رؤية الدخان يتم إشعال النيران في الأبراج الأخرى، فيتم تجهيز القوات لدحر الغزاة. أجزاء كبيرة من سور الصين العظيم عبارة عن كومة من الأحجار، وبعض السور أتلف داخل الغابات. (ص 56/55 ). كما تحدث عن أشهر ساحة بالعاصمة بيكين وهي”بوابة السماء المفتوحة” وعن المعارك التي حدتث بها و”المدينة الممنوعة” وضريح ماوتسي تونغ والقصر الصيفي… دون نسيان طيبة الشعب الصيني حيث كتب: “لكن اللافت للنظر هو طيبوبة الشعب الصيني وسلميته، فلن تجد قط أناسا يتشاجرون في الشارع، كان لافتا لنظري أننا كلما ركبنا حافلة عمومية التي غالبا ما تكون مزدحمة، كان الصينيون يتركون لنا أماكنهم لنجلس احتراما للأجانب. كان الطلبة القدامى يشعروننا بالإحباط وهم يتحدثون لنا عن قساوة العيش في الصين، لكن الحقيقة هي أننا لاقينا اهتماما وتقديرا خاصا للأجانب من لدن الصينيين”. (ص: 58/59). وفي هذا يلتقي محمد خليل مع الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي تحدث عن كثير من معالم الصين البشرية، المعمارية، والاجتماعية بما فيها السلمية واحترام الأجانب لحد التقديس، حيث أورد في الصفحة 632 من كتابه الشهير (تحفة النظار في غرائب الأسفار وعجائب الأمصار) ما يلي: (وبلاد الصين آمن البلاد وأحسنها حالا للمسافر. فإن الإنسان يسافر منفردا مسيرة تسعة أشهر وتكون معه الأموال الطائلة، فلا يخاف عليها)). (ص 90)
3 – الإسلام في الصين
: من أهم المعلومات التي ساقها كتاب “هكذا عرفت الصين” ماحكاه عن احترام الصينيين لجميع الديانات ومن بينها الإسلام الذي يحظى بمكانة خاصة حيث توجد لديهم طائفة مسلمة واسعة ومنتشرة في مجموع البلاد التي تعج بعدد من المساجد الفخمة من أشهرها مسجد بيكين الذي يوجد بشارع البقر، وسمي بهذا الإسم لأن سكان هذا الحي كلهم مسلمون وأكثر ما يأكلون من اللحم هو لحم البقر. تبلغ مساحة هذا المسجد مايقارب 6000 متر مربع.
أما أول جامع إسلامي في الصين فقد تم تشييده سنة 742 م على مساحة 12 كلم مربع على شكل قصر إمبراطوري. بناه الإمبراطور شانغ رونع في عهد الخليفة عثمان بن عفان، واهدى الإمبراطور هذا الصرح الإسلامي للتجار المسلمين الذين تزوجوا من الصينيين واستوطنوا المدينة،فشكلت تلك المبادرة انطلاقة بناء العديد من المساجد في الصين. وقد قام الأباطرة الصينيون المتتاليون بترميم المساجد، وعرف العديد من المسلمين بأنهم كانوا مستشارين للاباطرة؛ منهم على سبيل المثال شخصية تاريخية تمثل بالنسبة للصينيين رمز السلام في العالم،هو البحار الصيني المسلم تشنغ خه (zhang he) الذي قاد أكبر أسطول بحري في العالم خلال ذلك الزمن، كان متالفا من 62 سفينة لنقل البضائع والمجوهرات، و700 سفينة مكدسة ب الخيول، و240 سفينة للمؤن،و 300 سفينة يمتطيها الجنود،و 100 بارجة بحرية، وعبر تشنغ خه بهم المحيط الهادي والمحيط الهندي إلى أن وصل إلى إفريقيا.
4 – طرافة، شاعرية وجدية
زيادة على الأسلوب الوصفي الذي صاغ به محمد خليل كتابه، فقد خضبه بنفحة طريفة تنتزع الابتسامة إن لم أقل الضحك. فها هو مثلا يصف زميله الطالب البنغلاديشي افتخار، الذي يشاركه الغرفة بالحي الجامعي، حيث كان هذا الطالب جد نحيف فكتب عنه: “فإذا ضحك يهتز جسمه كاملا حتى يتهيأ لك من شدة نحافته أنه سيطير. وقد كان لباسه التقليدي كالمعتاد لدى الطلبة البنغاليين والسريلانكيين، عبارة عن ثوب يتم ربطه في الخاصرة” (ص:14) هذه الطرافة طالت حتى بعض الإكسسوارات والأدوات المستعملة منها السيارة المهترئة التي أقلته من مطار كولمبو عاصمة سيرلانكا حيث وصفها: “ركبت سيارة قديمة انطلقت بسرعة جنونية جعلت السيارة تهتز ويهتز كل جزء منها، محدثة أصواتا يخيل للراكب أنها ستنقسم أجزاء قبل أن تصل هدفها.” (ص:166).
خصلة الطرافة وخفة الدم هذه ليست بغريبة عن شخص الكاتب، فمن يعرف السي محمد خليل عن قرب، يلمس فيه هذا الجانب الذي لا يبدو عليه بصفته طبيبا يستقبل يوميا عشرات المرضى والزوار. لكن هذه الطرافة لم تلغ عنصر الإبداع الشاعري في الوصف والسرد، فها هو يصف مشهد شروق الشمس من قمة جبل “يوجد في القمة معبد كبير، ونزل قضينا فيه ليلتنا. واستيقظنا عند الفجر لترقب طلوع الشمس الذي يعد أروع مافي الزيارة، إذ ترى أشعة الشمس الحمراء تشرق تدريجيا بين الجبال، فتنشر ضياءها وأشعتها الحمراء على أوراق الأشجار وعلى بحر من السحاب الأحمر والطبيعة الخضراء الرائعة”. (ص:80)
5 – أخي الذي لم تلده أمي
الواقع أن قراءة كتاب “هكذا عرفت الصين…” للدكتور محمد خليل زيادة على المتعة الأدبية التي حققها لي، فإنه جعلني أسافر من جديد للصين لأعيد اكتشاف أجزاء منها والتزود بمعلومات حديثة لم أعرفها حين زيارتي الأولى لها سنة 1990، وهي التي كان لها فضل تعرفي على الدكتور خليل بواسطة أخيه عبد الكريم الذي كان يدرس مثله آنذاك الطب واللغة الصينيين، وكان مرافقا لي ضمن بقية الوفد المغربي السينمائي الذي حل بالصين في مارس 1990 حيث قضينا هناك حوالي أسبوعين. هذه الرحلة التي أدين لها بالشيء الكثير حيث قلبت حياتي رأسا على عقب إيجابا. فكان عبد الكريم خليل – هو حاليا يمارس نفس مهنة شقيقه بألمانيا – قد بعث معي حقيبة أدوات طبية للدكتور امحمد الذي أجريت معه حوارا حول الوخز بالإبر الصينية نشر بجريدة (العلم) ثم أخر بالصوت والصورة تم بثه في قناتي على اليوتوب “نورس البريجة”. ولازالت صداقتنا مستمرة إلى الآن. إلا أن أطرف وأغرب ما في هذه العلاقة التي دامت 34 سنة هو شدة الشبه الذي يجمع بيني وبين الدكتور خليل، بحيث كثيرا ما صعب على عدد من الناس التفريق بيننا، بل ويعتقد بعضهم جازما أننا أخوين توأم. في حين أن شقيقه عبد الكريم لا يشبه إلا من حيث الصوت. بفضل هذه العلاقة الحميمية المحترمة وكتابه الممتع عدت للصين على متن كتاب الدكتور محمد خليل. وهو رجل خلوق، وفي لصداقاته ولا ينكر فضل كل من أسدى له أدنى خدمة فما بالك بمن أسدى له أكبر النصائح وأجل الخدمات على رأسهم الدكتور الجديدي عبد الكريم الخطيب الذي كان صديقا لوالده ثم له من بعد. فهو من أقنع هذا الوالد بالسماح لابنه بالسفر للدراسة في الصين، وهو من ساعده في الحصول على جواز السفر والتأشيرة وبطاقة الطائرة في أقرب وقت، وأشركه معه في عدد سفرياته داخل وخارج المغرب. ومحمد خليل هو من أخبرنا في كتابه هذا أن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله كان يعز والدة الخطيب للا مريم التي كانت تحفظ القرآن الكريم، وحين وفاتها أمر بدفنها في القصر الملكي. إخلاص الدكتور خليل هذا ووفاء جعلاه يهديان كتابه هذا إلى الدكتور الخطيب بعد والديه. وهذه قمة في الوفاء وحفظ الجميل.
وبهذا يكون الكتاب ليس فقط سردا لسيرة طالب ببلاد الصين لكنه إحاطة بعديد من القضايا والأحداث التي تمخض بها العالم طيلة أربعة عقود وما ينيف عنها منذ الثمانينات بما فيها قضية فلسطين، ثورة الخميني، حرب الخليج، حكومة التناوب حيث كان خليل مقربا من عبد الرحمان اليوسفي وسافر معه للصين كما لدول أخرى.
6 – مهام، مسؤوليات وشخصيات
كما إن الرجل بفضل التزامه وسعة ثقافته، التقى عدة شخصيات عالمية ذات نفوذ ومناصب عليا على المستوى العربي، الإفريقي والدولي من بينها الرئيس الجزائري السابق ابن بلة، زعيم التحرير الإفريقي نيلسون مانديلا، الوزير الأول المغربي السابق عبد الرحمن اليوسفي الذي عاد معه لأول مرة إلى الصين سنة 1998 منذ مغادرته لها بعد تخرجه منها عام 1986. كما سافر إلى ليبيا لمقابلة العقيد معمر القذافي مع وفد يضم صديقه الدكتور عبد الكريم الخطيب، عبد الإله بنكيران الوزير الأول السابق، زعيم الحركة الشعبية المحجوبي أحرضان، المعارض المغربي الفقيه البصري الذي سعى الدكتور خليل امحمد بنفسه بمساعدة المقاوم التيباري إلى مصالحته مع الدكتور الخطيب خلال تلك الرحلة فتوفق. كما التقى الأمين العام للأمم المتحدة السابق بطرس غالي الذي تسلم معه جائزة المساهمات البارزة للصداقة الصينية العربية من يد الرئيس الصيني شي جين بينغ بالقاهرة سنة2017. كما شغل الدكتور محمد خليل عددا من المناصب المهمة ضمنها ترؤسه لمجموعة الصداقة المغربية الصينية بالبرلمان المغربي حين كان نائبا بمجلس النواب المغربي خلال 2002 /2007. يشغل حاليا ومنذ سنة 2012 رئيس جمعية الصداقة والتبادل المغربي. https://youtu.be/ywA27fpc6hw
ة الصينية