سينما

“دخل الربيع يضحك” فقطف باقة من جوائز مهرجان القاهرة السينمائي

3 - لا تمثيل.. لا حوار.. لا تدريب

نورس البريجة: خالد الخضري .

حصد الفيلم المصري (دخل الربيع يضحك) للمخرجة نهى عادل ثلاث جوائز في الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي المنظمة في منتصف نوفمبر المنصرم وهي: – جائزة صلاح أبو سيف لأحسن مخرج – جائزة لجنة التحكيم النقاد الدولية (فيربيسي) – جائزة هنري بركات لأحسن إسهام فني مناصفة مع فيلم (آيشا) للمخرج التركي نجمي سانجاك. إضافةً إلى تنويه خاص للممثلة رحاب عنان عن دورها في الفيلم.

1 – سهل مرتفع

نهى عادلبحصوله على هذا القدر من الجوائز اختلفت الآراء بين مؤيد ومعارض، لكن الأهم في الموضوع هو أنه فيلم ليس لا بالسهل الممتنع، ولا بالجبل المرتفع. هو تركيبة، إن لم نقل تقليعة مغايرة في السينما المصرية، وإن عرفتها السينما العالمية من حيث بناء سيناريو الفيلم على ثلاثة أو أربعة أجزاء تكاد تكون منفصلة عن بعضها البعض، لتلتقي في الأخير في وضع أو خيط يؤلف بينها. وقد اعترفت المخرجة في الندوة الصحفية التي نظمتها بالمهرجان عندما صرحت بالحرف: ” تشجعت كثيراً عندما علمت أن المخرج والمؤلف الفرنسي إيريك رومر، قدم فيلما في سبعينيات القرن الماضي ينبني على نفس تيمة اختيار فصول السنة”

ما يزكي هذا التصريح ما ورد بملخص الفيلم: “خلال فصل الربيع المعروف بطبيعته القاسية، تدور أربع حكايات ما بين الأسرار والغضب والأحزان والدموع المخفية وسط الضحكات الظاهرة. ولكن، مع ذبول الأزهار الزاهية، يأتي خريف غير متوقع ليختم القصص”.

من هنا تتراءى المعالم الكبرى للفيلم من حيث عدم بنائه على “حدوثة” موحدة بقدر ماهي مجموعة حكايا مختلفة  تتفاعل وسط أربع فضاءات داخلية، خلال أربعة شهور من فصل الربيع، بطلاتها كلهن نسوة تتراوح أعمارهن بين الطفولة، الشباب، الكهولة والشيخوخة. يبدأ الفيلم برباعية للشاعر صلاح جاهين في مرحلة ما بعد حرب 67 حين خيمت على حياته غيمة من الحزن والإحساس باللا جدوى فلم يعد يجد سببا للمقاومة ولا للإبداع، مثله مثل كثيرين من المثقفين العرب فأنشد:

“دخل الربيع يضحك لقاني حزين       نده الربيع على إسمي لم قلت مين
حط الربيع أزهاره جنبي وراح        وإيش تعمل الأزهار للميتين؟”

2 – ربيع خريفي

تتناسل هذه الحكايا وتفرخ في فصل الربيع، فصل الخصوبة واللقاح. لكن ثمة قاسم مشترك يجمع بينها وبين بطلات الفيلم هو التشظّي وتعرية الواقع الموشّى بورود الربيع، حيث يدركها الخريف فتظهر كل امرأة على حقيقتها، حين تنسلخ عن جلدها بودرة النفاق، يجف طلاء الكبرياء ويتبخر مسحوق التظاهر. حتى العلاقات ينكشف زيفها فتنجلي الأمور على حقيقتها. لذا بدل أن يحل فصل الربيع بمباهجه وأفراحه على رأي أمير الشعراء:

“آذار أقبل قم بنا يا صاح                 حيي الربيع حديقة الأفراح”

جاء ليفسخ خطوبة الفرح بالسعادة وينسف العقد الموقع بين المرح والهناء، فعلى سبيل المثال جميع التواريخ التي وردت بالفيلم كتابة أو حواراً ذات مرجعية مشبعة بالرومانسية والشجن مثلا:  21  يونيوه ولادة عبد الحليم حافظ مع وفاة سعاد حسني. لينتهي الفيلم بإهدائه لأقطاب الرومانسية والفن الجميل في الزمن الجميل على رأسهم صاحب الرباعية: صلاح جاهين، عبد الحليم حافظ، سعاد حسني، شادية

وخصوصا فريد الأطرش التي تطلع عناوين الفيلم النهائية (الجينريك) على نغمات أغنيته الشهيرة

“أدي الربيع” التي تكاد تساير كلماتها حرفيا، الطرح الفكري للفيلم وبالضبط لرباعية صلاح جاهين، إذ  بدل أن يحل فصل الربيع على متلقيه بفرحة، يجهزعليه بقرحة فتختلط الأوراق بين نظارة الربيع  وشحوب الخريف. يقول فريد الأطرش في آخر قصيدة أدى الربيع:

“أدي الربيع عاد من ثاني   والبدر هلّت أنظاره

وفين حبيبي اللي رماني من جنة الحب لناره؟”

3 – لا تمثيل.. لا حوار.. لا تدريب

يرى البعض أن الفيلم يكاد ينحو نحو جادة الوثائقي لضمه عينات من النساء يتحاورن، يضحكن، يصرخن، يبكين ويتعاركن ثم يتعانقن أمام الكاميرا وهن يتكلمن في آن واحد. لكن الأمر ليس كذلك، إذ هو أسلوب متعمد تركت فيه المخرجة الحرية لبطلاتها يقلن ما شئن وخصوصا كيفما شئن، متعاملة معهن بطريقة عفوية كما أقرت بذلك في الندوة المذكورة، فجاءت أغلبية المشاهد نتيجة ارتجال لحظي أثناء التصوير حتى تقدم الشخصيات بعفويتها وتلقائيتها. الشيء الذي أكدته مركبة الفيلم (المونتيرة) سارة عبدالله بقولها:

“تم تصويرالفيلم بطريقة مختلفة عن أي فيلم روائي طويل إذ أُنجز بأسوب الفيلم الوثائقي الذي لا يقوم فيه الممثلون بإعادة الكلام أو تحسينه حتى لا يكون مزيفا”.

فهذا الشق المغاير هو الذي تفاعل معه الجمهور، وهو الذي ازورَّ بالفيلم عن حافة الوثائقية ليكْسِيَه حلة روائية نُسجت خيوطها من حكايا تبدو متباينة في فضاءات مختلفة، تنتهي حيث بدأت في حديقة أمام بيتَيْ عجوزين يحب كل واحد منهما في قرارة نفسه، لكن تجاعيد السنين وحواجز الرياء الاجتماعي، تحتم عليهما إخفاء ذلك الحب للتعبير عنه والتلميح إليه بالغناء أوالتنكيت والضحك.

فها هو العاشق العجوز الذي سبق له خطبة الجالسة أمامه فقوبل بزوبعة رد من ابنتها حتى دون أن يسمع رأي الخطيبة؟ ينشد لهذه الأخيرة مقطعا من أغنية (أدي الربيع) لفريد الأطرش: “أدي الربيع عاد من ثاني   والبدر هلّت (أنظاره)” لكنه يحرِّف آخر مصطلح في البيت والذي هو “أنظاره” ب “أمطاره” مما قلب معنى البيت ٍرأسا على عقب ليصبح: “أدي الربيع عاد من ثاني   والبدر هلّت (أمطاره)” فتعقب عليه السيدة:

– “الله، هو فيه أمطار بتهل في ليلة بدر؟ ولا بتهل أصلا في فصل الربيع”؟

فينفجران ضحكا ضحك طفلين معا وهما يضربان كفا بكف، وخلفهما في حديقة البيت أينعت أزهار الربيع مهما صغر حجمها أو تقلص فضاء زرعها، تذَهِّب ثناياها أشعة شمس مارس تزرع فيها، فيهما وفينا بصيص أمل وتشع في الفضاء والجوارح دفء الحياة، على خلفية على نغمات فريد الأطرش وهو يشدو: “أدي الربيع عاد من ثاني”.

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button