سينمافن وثقافة

متى كان التقدم في العمر امتياز يكرَّم عليه؟

لا أحد يجلرني على الراحة

القاهرة: خالد الخضري
1 – لولا هؤلاء ما كنا نحن
اختارت إدارة الدورة 46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي فيلم (المسار الأزرق) للمخرج البرازيلي جابريل ماسكارو، فكان اختيارا موفقا نظرا لمحتواه الإنساني العميق ورسالته الاجتماعية بل والأخلاقية البليغة التي تحث على الاهتمام بكبار السن ومنحهم الاحترام والتقدير اللذين يستحقانهما لعدة أساب، على رأسها أنه: لولا هم ما كنا نحن.
ويحكي قصة السيدة تيريزا البالغة من العمر 77 سنة والتي تعيش في بلدة صناعية صغيرة بالأمازون، إلى أن تتلقى قرارا رسميا بالانتقال إلى مستعمرة سكنية مخصصة للمسنين. في هذا المكان المعزول يؤخذ كبار السن لقضاء سنواتهم الأخيرة. ترفض تيريزا ذلك فتنطلق في رحلة عبر نهر الأمازون لتتحقيق أمنية أخيرة قبل سلب حريتها، وهو قرار سيغير حياتها إلى الأبد.
زيادة على تقديم الفيلم لقصة هذه المرأة، فهو رحلة إنسانية، طبيعية ساحرة ومؤثرة عبر فيلم يجمع بين الرؤية البصرية الراقية والبعد الإنساني الغزير، بطلته امرأة عجوز لكنها تتمتع بروح الشباب المفعمة بحب الحركة والحياة، إلى جانب توفرها على صفاء الذهن، الصبر ومنطق الحكماء، حيث يبقى عديد من حواراتها حكما بليغة ومقنعة كما ردت على واحد من رجال الحكومة حين جاء يبلغها أن هذه الأخيرة بسبب سنها، سيتم نقلها إجباريا إلى دار المسنين “تكريما لها ومن أجل راحتها” فردت عليه:
“ومنذ متى كان التقدم في العمر امتيازا يستحق عليه الإنسان التكريم ؟؟” ثم أضافت:
“ليس لأحد الحق في أن يجبرني على الراحة” وحين أراد إقناعها بمنطق الحكومة القانوني، أجابت: “تتظاهر الحكومة بالنزاهة ولكنها الأكثر فسادا”.
وطبعا وكمعظم دول العالم الثالث، فكثيرون هم من أبناء الشعب ومن سائر الأعمار يرفضون نقل أقاربهم الكبار في السن كالجد والجدة إلى هذه الفضاءات المغلقة التي يسمونها ” معسكرات الشيوخ ” ولذا كانت الكاميرا وهي ترافق نقل واحد من هؤلاء شبه معتقل في عربة صغيرة Très – porteur تؤطر جدرانا مكتوب عليها بعض الشعارات الرافضة مثل:
“أعيدوا لي جدي” أو “المسنون ليسوا سلعا”….
2 – أريد الطيران لضمان حقي في الجنة
كان حلم هذه السيدة التي فصلها رب العمل من عملها في أحد المصانع فقط بسبب سنها، أن تسافر بالطائرة، لكن حلمها يجهض في أول وكالة سفر بامتناعها عن بيعها لبطاقة الطائرة إلا بموافقة ابنتها الوصية عليها والتي سترفض بدورها ذلك. فتلجأ السيدة إلى” الهجرة السرية” عبر قارب غير شرعي أيضا في نهر الأمازون ، يسألها صاحبه عما تريد بمغامرة هذا السفر غير المضمون النتيجة؟ ردت: “أريد أن أضمن حقي من الجنة”.
وتقبل دون تردد أن تعيش تجربة بل تجارب قد لا يقبل عليها حتى الشباب، يكاد يصل بعضها درجة الجنون، لتكشف فضاءات وعوالم جديدة تضج حياة، وأناسا آخرين يعانون أكثر منها رغم ٱنهم أصغر منها سنا. ولتكتشف في الأخير ذاتها. فتنتصر في رحلتها وتربح مالا تشتري به حريتها عملا بسؤال زميلتها ومرافقتها في تلك الرحلة: “هل سبق لك أن رأيت مسنا غنيا في معسكرات الشيوخ”؟
3- رحلة شاعرية
كل هذا عبر رحلة سينمائية وشاعرية قوامها الصورة المحكمة، المؤثرات الداعمة والموسيقى التصويرية، وسط الأنهار والأدغال حيث يهيمن اللون الأزرق بما فيه لون الماء والسماء – من هنا اشتق عنوان الفيلم (المسار الأزرق) – في أوقات متباينة تتدرج بين الليل والغسق والصباحات المشرقة كما المساءات الوردية حيث يتلألأ قرص الشمس الأرجواني دون أن نعرف أهو شروق أم غروب؟ وحيث انساب إيقاع التصوير بشاعرية وهدوء، انسياب المياه الرقراقة
تصاحبها تغاريد أسراب عصافير محلقة وأخرى جاثمة أو تنط بين.َ أغصان الأشجار والزهور. تسند كل هذا موسيقى هادئة تميزت فيها بالخصوص آلة الصاكصفون بعزف حالم يتماشى وذهنية كما إحساس هذه العجوز التي تعيش بعزيمة شابة وتحلم بقلب طفلة.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button