الاحتفال بعيد الميلاد، توقيع بالحضور في مهرجان الحياة
أحسن هدية تتلقاها في عيد ميلادك: شهادة الحياة
نورس البريجة: خالد الخضري
تعودت ومنذ الصغر على الاحتفال بعيد ميلادي وسط لمة من الأهل والأصدقاء والصديقات، فالاحتفال بعيد الميلاد توقيع بالحضور في مهرجان الحياة حيث يتم تسليمك في نهاية الحفل “شهادة الحياة”. وفي معظم حفلات هذه المناسبة، كنت حريصا على وجود عنصرين أساسيين – زيادة على العنصر البشري– لا غنى عنهما في هذا الاحتفال: الموسيقى والشمَّام الأحمر “الدلّاح” الذي يبقى أعز وألذ فاكهة لدي. كما يعد بوابة الصيف بالنسبة لي.. حيث أستمر في تناوله منذ هذا اليوم حتى آخر حبة منه في الأسواق. ومنه أنجز كعكة العيد – زيادة على الكعكة العادية – مزينة بالشموع، والاسم المنجَز بحبات عصفه السوداء.. هو إبداع شخصي سبق لي نشره فلقي استحسانا ملحوظا، لا سيما من طرف النساء اللواتي أبدع بعضهن بإضافة حبات كرز أو عنب أو حب الملوك أو قطع أناناس في جنباته أو في وسطه.
كان يشاركني في تنشيط العنصر الموسيقي أصدقائي الفنانون أفرادا، ثنائيات ومجموعات (اولادر حو، اولاد الحلوي ومجموعة جيل العيطة من الجديدة).. أما اليوم فقد تم الاحتفال مع مجموعة گناوة بفاس.وحتى إن تعذر حضورهم أكتفي بعودي أو أية موسيقى رائقة مسجلة. وكالعادة أمطرني هذا اليوم عدد وفير من الأحباب والأهل والصديقات والأصدقاء مشكورين ممن يبادلني الحب والتقدير، بباقات ورود وقطع شوكولاتة.. وعبارات كما صور وفيديوهات أنجزت خصيصا للتهنئة.
إلا أنني لا أنكر لمة عائلية مصغرة في عددها، موسعة في محتواها، احتفلت معي بالمناسبة على رأسها حفيداي الجميلان اللذان أضفيا على الحفل رونقا وحيوية مشبعة ببراءة الطفولة وشغبها مع عميق الفرحة والابتهاج، فلا شيء يعادل فرحة طفل بريء بكعكة عيد ميلاد حتى ولو كانت مجرد “طرف دلّاح”.. أو كوب عصير.. أو حبة كرز…وهو يتسابق معك لإطفاء الشمعة.
1 – من ميساء لمحمود
لإشراك سائر الأصدقاء والأحباب في هذا الحفل المتواضع، فإنني أهديهم وأهديكم جميعا “كعكتين” مرتبطتين بعيد الميلاد تتعلقان بشاعرين من أكبر شعرائنا المحدثين.. أولاهما نثرية بُعثت للشاعر الفلسطيني المرحوم محمود درويش بمناسبة عيد ميلاه الرابع والسبعين، من طرف الشاعرة والمسرحية الفلسطينية ميساء الخطيب.. كلمة مفعمة بالحب والتقدير والصدق .. وفي اعتقادي يبقى مثل هذه الكلمات أجمل ما يمكن أن يتمناه مبدع كهدية في أية مناسبة أو احتفال في حياته، بل وحتى بعد مماته كما هو شأن شاعرنا الفذ محمد درويش الذي توفي عن سن 67 سنة.. ثم جاءت صديقته ميساء لتنفح روحه بهذه القطعة الرائقة وبعد سبع سنوات من رحيله.
مما يدل على أن ذكرى “عيد الميلاد” ليست خاصة فقط بالأطفال، ولا مرتبطة بسن معينة.. فكثيرا ما اطلعنا على معمرين – خصوصا المبدعين منهم – احتفلوا بذكرى أعياد ميلادهم وقد قاربوا المئة سنة أو تجاوزوها. ليستمر محبوهم بعد وفاتهم بتخليد ذكراهم هذه سواء على مستوى جماعي رسمي، كما في المهرجانات السينمائية، الثقافية والفنية عموما، حين يحتفى هذا المهرجان أو ذاك بذكرى مولد مبدع راحل من خلال عرض باقة من أعماله وصوره وأفلامه… وذلك لما لتِيمة “عيد الميلاد” من مدلول حيوي يتلخص في عدة عناصر أو بالأحرى مزايا على رأسها: انتصار الحياة على الموت وخلود الأحبة – المبدعون منهم وغيرهم – في الذاكرة والوجدان الفردي كما الجماعي. وهذا ما فعلته ميساء حين بعثت لصديقها محمود بهذه الباقة الجميلة والمؤثرة التي تقول مفرداتها:
2 – إلى محمود درويش في عيد ميلاده
((في عيد ميلادك الرابع والسبعين، سأقطف لك أربعاً وسبعين زهرة حنّون من سهول بلادي، سأشِم على كل زهرة قصيدة من قصائدك، وأعيد زرعها في سنوات عمرك.. وكل عام أزيدها زهرة، لتبقى حياً فينا ولنا.
في عيدك الرابع والسبعين ستطول هامتي لتصل السماء، أسرق منها ثلاثة وسبعين قمراً تلّف حولك، فتخجل من القمر الرابع والسبعين.
سأطرّز على شالٍ أربعٍ وسبعين غرزة كنعانية، من أربعٍ وسبعين قرية ومدينة فلسطينية، أهديه لطفلتي لتتباهي به وهي تضعه على كتفيها.
سأجمع أربعةً وسبعين حجر زمردٍ وياقوت، أسرجهم أيقونة أعلّقها على باب داري.. لتكون دليلاً أن ساكن هذه الديار، من بلدٍ أنجبت أعظم سبعينيّ.
سأنسل من الشمس خيوطاً ذهبية، أجدل بها شعري أربعاً وسبعين ضفيرة..وأرسلها لأمي لتخبئها في وسادتها مع قصائدك الوردية.
سأحمل الهدايا لأربعٍ وسبعين امرأة حبلى، أتاهن المخاض في هذا الصباح.
وأطبع أربعاً وسبعين قبلة على جباهٍ ما زالت نديّة، وأزيّن معصم كل مولود بتاريخ ميلادك.
محمود درويش …
لن أبكيك أبداً، ولن تذرف عيناي أربعاً وسبعين دمعة حارقة على خدي
بل سآتيك مُتشحة بشالٍ من حرير، لأضيء في حضرتك أربعاً وسبعين شمعة))
3 – من نزار لحبيبته:
أما القطعة الثانية فهي شعرية لشاعر الحب نزار قباني، الذي صاغ قصيدة طويلة من أجمل ما كتبه في سائر أشعاره لها ارتباط قوي بعيد الميلاد تحمل عنوان: “كلَ عام وأنتِ حبيبتي” انتقيت لكم منها الأبيات التالية:
((كل عامٍ وأنت حبيبتي
أقولها لك على طريقتي
متجاوزاً كل الطقوس الاحتفالية
التي يمارسها العالم
وكاسراً كل تقاليد الفرح الكاذب
التي يتمسك بها الناس
ورافضاً
كل العبارات الكلاسيكية
التي يرددها الرجال على مسامع النساء
كل عامٍ وأنت حبيبتي
أقولها لك بكل بساطه
كما يقرأ طفلٌ صلاته قبل النوم
وكما يقف عصفورٌ على سنبلة قمح
فتزداد الأزاهير المشغولة على ثوبك الأبيض
زهرةً
وتزداد المراكب المنتظرة في مياه عينيك
مركباً
*****
إنني لا أرتاح للبطاقات الجاهزة
ولا للقصائد الجاهزة
ولا للتمنيات التي برسم التصدير
فهي كلها مطبوعة
لتصلح لكل المناسبات
وأنت لست امرأة المناسبات
بل أنت المرأة التي أحبها
أنت هذا الوجع اليومي
الذي لا يقال ببطاقات المعايدة
ولا يقال بالحروف اللاتينية
ولا يقال بالمراسلة
وإنما يقال عندما تدق الساعة منتصف الليل
وتدخلين كالسمكة إلى مياهي الدافئة
وتستحمين هناك
ويسافر فمي في غابات شعرك الغجري
ويستوطن هناك
كل عامٍ وأنت حبيبتي
أمنيةٌ أخاف أن أتمناها
حتى لا أتهم بالطمع أو بالغرور
فكرةٌ أخاف أن أفكر بها
حتى لا يسرقها الناس مني
ويزعموا أنهم أول من اخترع الشعر
*****
كل عامٍ وأنت حبيبتي
كل عامٍ وأنا حبيبك
أنا أعرف أنني أتمنى أكثر مما ينبغي
وأحلم أكثر من الحد المسموح به
ولكن
من له الحق أن يحاسبني على أحلامي؟
من يحاسب الفقراء؟
إذا حلموا أنهم جلسوا على العرش
لمدة خمس دقائق؟
من يحاسب الصحراء إذا توحمت على جدول ماء؟
هناك ثلاث حالاتٍ يصبح فيها الحلم شرعيا:
حالة الجنون
وحالة الشعر
وحالة التعرف على امرأة مدهشةٍ مثلك
وأنا أعاني – لحسن الحظ
من الحالات الثلاث
*****
فأنت امرأةٌ لا ترتبط بالفرح العام
ولا بالزمن العام
ولا بهذا السيرك الكبير الذي يمر أمامنا
ولا بتلك الطبول الوثنية التي تقرع حولنا
ولا بأقنعة الورق التي لا يبقى منها في آخر الليل
سوى رجالٍ من ورق
ونساءٍ من ورق
كل عامٍ.. وأنا متورطٌ بك
وملاحقٌ بتهمة حبك
كما السماء متهمةٌ بالزرقة
والعصافير متهمةٌ بالسفر
والشفة متهمةٌ بالاستدارة
كل عامٍ وأنا مضروبٌ بزلازلك
ومبللٌ بأمطارك
ومحفورٌ – كالإناء الصيني – بتضاريس جسمك
كل عامٍ وأنت.. لا أدري ماذا أسميك
اختاري أنت أسماءك
كما تختار النقطة مكانها على السطر
وكما يختار المشط مكانه في طيات الشعر
وإلى أن تختاري اسمك الجديد
اسمحي لي أن أناديك:
“يا حبيبتي”
عيد ميلاد سعيد