مجتمع

المشهد 7: علّام “علْفة اولاد غانم” بموسم مولاي عبد الله

التبوريدة أخلاق والعلّام قدوة

 نورس البريجة: خالد الخضري

  • التبويدة الرياضة المغربية الأكبر شعبية

يتميز موسم مولاي عبد الله باحتوائه لأكبر عدد من الخيول والفرسان الذين يمارسون لعبة الفروسية “التبوريدة” إذ تجاوز  عدد الخيول التي حطت ركابها مع فرسانها  هذه السنة 2022 الألفيْن 2000 وُزعوا على أكثر من 150 سربة.

كما يبقى أيضا أكبر موسم من حيث المساحة الترابية التي تغطيها الخيام وتقام فوق أديمها أنشطته، ومن حيث المدة الزمنية فموسم مولاي عبد الله يتميز بأطول مدة إذ تدوم 15 يوما حيث يسمح للزوار المقيمين بنصب خيامهم بأسبوع واحد قبل الافتتاح الرسمي. وانطلاقا من الأسبوع الثاني تبدأ الرياضة الأكثر شعبية وإقبالا: “التبوريدة” التي يقبل عليها بشكل طوفاني معظم الزوار من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار كما السياح الأجانب، للتفرج على فرق و”سربات” أو “علفات” تفد من سائر ربوع المملكة.

وتمثل هذه الرياضة فرجة ممتعة للعين والأذن لما يرافق طلقات البارود من هتافات، تكبيرات، زغاريد ومعزوفات احتفالية بالطبل والغيطة،  لاسيما متى تمكنت السربة المحتفى بها من توحيد طلقات بنادقها في طلقة جماعية، فيغلف الجو دخان البنادق الذي تتراءى عبر سحبه الرايات الملونة كما أزياء الفرسان المزركشة حيث يتفنون في توحيد أشكال وألوان ملابسهم التقليدية وتنميقها كما سروج خيولهم وألجمتها مع كافة أكسسواراتها.

للتعرف عن رياضة”التبوردة أو الفروسية  جالست واحدا من مقدميها ، إنه العلّام السيد رشيد بلفاضة علام سربة أو “علْفة” اولاد غانم  التي يصل عدد فرسانها العشرين، طارحا عليه مجموعة من الأسئلة  حول مهمة “العلّام” وبعض طقوس لعبة الفروسية..

2 – “عايْلة خيالة” بامتياز

هو السيد رشيد بلفاضلة المزداد سنة 1958  باولاد غانم التي تحمل العلفة اسمها ابن الحاج عزوز بن امحمد  بلفاضلة الذي كان هو الآخر علّاما قبل أن يترجل عن فرسه بحكم التقدم في العمر ( توفي رحمه الله سنة 2020 عن عمر يشرئب على 90 عاما).  تتلمذ رشيد كما والده الحاج عزوز ، أو حسب اصطلاح “مّالين الخيل” تعلم تبارديت أو تمقدميت على يد خاله العلام المرحوم والشهير بالغربية وإقليم دكالة وعبدة ككل  الحاج عمر الشباكي.

يمتطي إلى جنب رشيد في نفس “السربة” عدد من أفراد الأسرة على رأسهم ابنه مصطفى بلفاضلة (30 سنة) الذي يشغل مهمة الخليفة الثاني لوالده بعد عمه عبد الإله بلفاضلة النائب أو الخليفة الأول لشقيقه العلّام رشيد، وقد تناوب الإثنان على قيادة السربة خلال هذا العام وإلى جانبه،  هناك شقيقان اثنان لهذا الأخير وهما عبد الحق والمهدي بلفاضلة. كما أبناء أختيه: يازيد خلفاوي وعبد الحكيم نواس ثم طه نواس. وهذا هو أصغر فارس حيث لا يتجاوز عمره 14 سنة، إضافة إلى ابن عمه جعفر بلفاضلة وهو ربان طائرة، فابنَيْ أخيه عبد الحميد وصلاح الدين بلفاضلة زائد صهره طه الهاشمي وهو موثق. إذن هي عائلة خيّالة أو “ابّاردية”  توارثها عدد كبير من أفرادها أبا عن جد ولسنوات طوال.

3 – العلّام مايسترو يستوجب الطاعة والاحترام

أهم الشروط التي يبغي توفرها في العلام أن يكون أولا متمرسا بلعبة الفروسية داخل السربة ولمدة تتراوح ما بين 7 إلى 8 سنوات. ثانيا أن يكون مُلما بجميع لوازم الفارس والفرس على حد سواء. وأن يكون راعيا لأدبيات التبوريدة، متشبعا بأخلاقياتها وضمنها الاستقامة، العفة والورع. لأن العلّام على حد تعبير رشيد يعتبر قدوة لجميع أفراد السربة. إنه بمثابة “مايسترو” جوقة الخيالة. فهو يستوجب الطاعة والاحترام ولحد التقديس. فمتى توفرت هذه الخصال الحميدة في العلّام، كان ناجحا وكذلك علفته التي قلما تخطئ في جولاتها. ومن اختل فيه شرط من هذه الشروط أو بالأحرى انتفت كلها، يبقى برأي العلّام السيد رشيد بلفاضلة مجرد “مقدم” يقود أفراد فرقته لأداء لعبة الفروسية كما اتفق وكفى.

أما عن الحوافز التي حفزته لأداء هذه الرياضة التي تحولت إلى هوس متجذر في نفسه أجاب السيد رشيد: أهم هذه الحوافز “الحب”. حب هذه اللعبة ولحد الجنون. فأنا وكثير من أفراد عائلتي لا يمكننا أن نستغنى عنها ولا عن الفرس في إسطبلات بيوتنا بأي شكل من الأشكال. وكل سنة نبني خيمتنا الكبيرة هذه (الفرا گ) في هذا الموسم كما في بقية مواسم الإقليم مثل سيدي بنيفّو وسيدي عابد والوليدية وغيرها. لأننا لا نشارك في مواسم خارج الإقليم.

4 –  إنزال فارس من فوق ظهر فرسه توبيخا، إهانة للعلفة برمتها

عن سؤال حول طريقة توبيخ بعض الفرسان الذين يخطئون خلال التبوريدة فيتم إنزالهم من طرف العلّام ليعودوا راجلين أمام الجمهور، أجاب السي بلفاضلة: أنا ضدها لأنها حقا إهانة للفارس الذي يبذل كل جهده ليؤدي مهمته بانتظام داخل السربة لكن الله غالب، فالتبوريدة ليست سهلة وقد تعرض الفارس للعديد من الحوادث من بينها السقوط المفضي إلى كسر أو عاهة مستديمة وأحيانا الموت لذا تكون نفسيته غير مستقرة وباله مضطربا. فكيف نضاعف شجنه بإنزاله وإهانته أمام الملأ؟ لا، هذا عيب ويمس بأخلاقيات التبوريدة التي هي أصلا تراث حربي كان أجدادنا يدافعون به عن الشرف والأرض والوطن قبل أن تتحول إلى رياضة ترفيهية.

أما كيف يوبخ هو نفسه فارسا من فرسانه إذا أخطأ وسط العلفة؟ رد السي رشيد: هناك 3 مراحل أولها توبيخه بنظرة جامدة ونحن بالمحرك لا ينتبه لها الجمهور ولا حتى زملاؤه أحيانا إلى أن نصل إلى الخيمة (الفرا گ) حينذاك أوبخه شفهيا. فإذا كرر نفس الخطأ في التبوريدة التالية نحكم عليه بأداء وليمة غذاء أو عشاء لفائدة سائر أفراد السربة ومن يود هو دعوتهم سواء داخل الموسم أو خارجه. ولكني قطعا لم أنزل فارسا أخطأ إلى الأرض ولن أفعل، لأن الإهانة ستطالني أنا كعلّام كما بقية أفراد العلفة.   

5 – لباس الفارس والفرس

لباس الفارس أوله:  سروال بلْدي أي “قندريسي”. تليه الفوقية التي حلت محل الفارجية والتشامير. الجبة وعادة ما تكون رقيقة وخفيفة خصوصا متى كانت تنتمي للزاوية السايسية، جهة سبت سايس..ثم يأتي فوق كل هذه الألبسة، السلهام والذي غالبا ما يكون بنفس اللون الأبيض. كما أن هناك بعض الفرسان الذين عادوا إلى ارتداء القفطان والحايك كما كان الشأن في نهاية القرن 19 ومستهل القرن العشرين. وعادة ما يكون هذا الأخير بلون مغاير للأبيض. بعد هذا يأتي دور العمامة أو العصابة التي تكون في معظم الأوقات بيضاء. أما في الرجلين وبعدما كان يقتصر على ارتداء “البلغة” أصبح الفرسان يرتدون الآن “التما گ ” وهو نعل جلدي يغطي حتى الساقين.

أما لباس أو الفرس فتشمل:  أولا “الترشيح” وهو مكون من 8 إلى 10 لبدات (أثواب سميكة) توضع مباشرة على ظهر الفرس. يليها “السْقَط” وهو ذلك الثوب ذو اللون المزركش أو المُذهب وعادة ما يكون بنفس لون السرج الذي يوضع فوقه. ثم السرج الذي تسمى مقدمته ب” القربوس” في حين يعتبرها آخرون بمثابة الشاهد الأمامي للقبر. ووراءه الظهر الذي يعتبر  الشاهد الخلفي للّحذ أيضا..لهذا حين يمتطي الفارس صهوة فرسه فإنها يتلو الفاتحة والدعاء ثم الشهادة وكأنه يعلو صهوة قبر، قد يترجل منه وقد يبقى هناك في حال وقوع حادث مميت خلال أداء لعبة الفروسية لا قدر الله. وعادة ما يغلف ظهر سرج الفرس بجلد يكون بنفس لون السقط. أما صدر الفرس فيتم تزيينه بالصدرية التي تسمى ب “الدّيْر”. وعلى رأس الفرس – جهة الأذنين – تكون هناك النشاشة. فاللجام وهو مكون من قطعتين: “الفاس” وهو القطعة الحديدية التي توضع بين فكي الحصان في فمه. ثم الحبل والذي يسمى “الصْراع”. فالرّكّابات وهما اثنتان يضع فيهما الفارس رجليه. وقد تم الاستغناء عن الشوكات التي كان الفرسان يهمزون بها الخيول لأنها مؤلمة وتدمي أجسادها. وأصبح الهمز يتم فقط بالقدمين.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button