حصريات

“ضاضوس” روبن هود على الطريقة المغربية

كوميديا حركية

                                                               نورس البريجة: خالد الخضري

يعرض حاليا بالمركب السينمائي”سيني أطلس” كورنيش الجديدة الفيلم السينمائي الروائي المغربي الطويل “ضاضوس” للمخرج عبد الواحد مجاهد في أول تجربة له مع الأعمال الروائية الطويلة، بعد إخراجه لتسعة أفلام قصيرة، ضمنها “باك حر”، “صندالة أيوب” و”صنع في المغرب” إلى جانب عدد من الأعمال التلفزيونية والمؤسساتية والوصلات الإشهارية. وهو نجل السيناريست حسن مجاهد صاحب عدد من الأعمال التلفويونية المتميزة من أشهرها مسلسل (المصابون) من إخراج المرحوم محمد عاطفي سنة 1999 والذي لعب فيه الشاب عبد الواحد مجاهد (20سنة) دورا. شارك هذا الأخير في كتابة سيناريو “ضاضوس” المخرج رشيد زكي بينما أسند فيه دور البطولة الأول للممثل رفيق بوبكر إلى جانب كل من ابتسام العروسي، جميلة الهوني، ساندية تاج الدين، ماجدولين الإدريسي، سعاد العلوي، مهدي فولان  إضافة إلى المطرب أحمد شوقي الذي يخوض لأول مرة تجربة التمثيل.

1 – كوميديا عائلية

الفيلم ذو إنتاج ذاتي مشترك بين المخرج وزوجته الممثلة ابتسام العروسي دون دعم من المركز السينمائي المغربي، ولا زال منذ عرضه يوم الأربعاء ثامن فبراير 2023 يتصدر قائمة إيرادات شباك التذاكر بالقاعات السينمائية المغربية حيث عرف ولا يزال إقبالا جماهيريا كبيرا.

يندرج “ضاضوس” في خانة الهزل الحركي الذي تتداخل فيه كوميديا الموقف مع كوميديا العبارة أو الجملة وليس اللفظ المُحَوَّر أو المقلوب الذي يلجأ إليه بعض (الكوميديين) قصد الإضحاك ليس إلا بغض النظر عن المعنى. وهو مبني على إيقاع سريع متفاد لطول المشاهد، مما سهل التواصل واستيعاب خطاباته وإن بدت بسيطة لكنها محكمة ببناء درامي تصاعدي مدعم بعنصر التشويق، الشيء الذي خلق فرجة سينمائية لدى مختلف الفئات العمرية التي غصت بها القاعة أغلبها شباب. وهذا عامل إيجابي يساهم في الرفع من وتيرة المصالحة بين السينما المغربية والجمهور المغربي وإعادة ثقته بها وبأفلامها.

منذ اللقطة الأولى يجعلنا الفيلم نتابع / نشاراك في مطاردة حركية سريعة على الطريقة الأمريكية بين أزقة وسطوح دوار براريك استعملت فيها – وفي عدد كبير من المشاهد أيضا – كاميرا طائرة (الدرون). كما حلت اللقطات والحوارات مقتضبة رأى البعض أن عددا منها مخل بالحياء، في حين أنها ليست كذلك إنما هي فقط من صلب الواقع مستقاة ومن فضاء الزقاق والشارع المغربي الراهن مشتقة. فهل بأسلوب نزار قباني أو أستاذ جامعي سننتظر من خريج سجون ولص مطارَد ومطارِد أن يتحدث؟

من أمثلة هذه الحوارات:

– إلى كاينة شي لعبة نفاريوها – الفگوسة تعيا ما نگادّو فيها تبقى عوجة – شد الفلوس واردم في جيبك – ما كاين لا مالديف لا سيدي زكري.” وبالتالي سار الفيلم على هذا السياق دون إسفاف، محققا المعادلة التي صرح بها عبد الواحد مجاهد، بأن الضاضوس فيلم “عائلي كوميدي”.

والضاضوس هو ذلك “النّرد” الذي اخترعه الإنسان كلعبة للتسلية شأنها شأن الشطرنج أو “الضّامة” المغربية وإن حولها كثيرون إلى قمار، عادة ما يتم تصميمه على شكل مكعب يصنع من البلاستيك أو الخشب أو المعدن أو الحجر، وترقم وجوهه بأرقام من 1 إلى 6، يُرمي عشوائيا على رقعة أو طاولة خشبية في انتظار نتيجة إيجابية غير مضمونة قوامها الحظ  لا غير. هو بعبارة أخرى مغامرة قد تتحول إلى مقامرة. وبالتالي فهذا النرد وسيلة مسيَّرة بيد الإنسان لا دخل ولا إرادة له في مساره ولا في الوجه أو الرقم الذي يستقر عليه.

فالبطل/ الضاضوس إذن حسب المخرج السيناريست، خريج سجون معقد يرمي بنفسه هنا وهناك مخططا لهذه العملية وتلك، دون يقين بأنه سيفوز في أية واحدة منها إلا في الحالة التي يقرر أن يرمي فيها نفسه – رفقة أفراد عصابته النسوية – في عرين بنك المغرب لسرقته، فيكتشف عند مدخله أنه مقبوض عليه وعليهن لا محالة فيعود أدراجه.

2 – كلنا لصوص والحمد لله!

يتناول الموضوع حكاية رجل يسمى نفسه “ضاضوس” يغادر السجن وهو يعاني من اضطرب نفسي شديد لما لقيه من ظلم وما اكتشفه من مآسي تسبب فيها قوم تخالهم أنبياء مظهرا بَيْد أنهم أبالسة مَخبرا. فقرر الانتقام بالعودة إلى ميدان الإجرام والنصب والاحتيال، مستعينا بأربع نساء يعشن ظروفًا قاسية لتنفيذ عمليات ابتزاز عدد من الشخصيات المعروفة والغنية من أجل تحقيق العدالة وإنصاف الأشخاص المظلومين في الحياة.

الضاضوس يحاكي فيلم “جوكير” للمخرج الأمريكي تود فيليبس 2019 من حيث التكوين النفساني للبطل، وهو حول مهرج يطمح أن يكون ممثلًا كوميديا لكنه في كل مرة يفشل بسبب اضطراب نفسي يعاني منه. كما كان يلقى معاملة سيئة وقاسية من قبل الناس المحيطين تصل حد الاعتداء عليه بالضرب، فتحول من شخص مسالم إلى شرير يقتل وبلذة جميع هؤلاء الأشخاص. وهي على كل حال محاكاة غير سلبية قد يكون المخرج عينه غير منتبه لها، فكثيرة هي الشخصيات وحكايا أفلام وحتى الأسماء والعناوين التي تتشابه مع احتفاظ كل فيلم بهويته وخصوصيته دون أن ينتقص هذا التشابه من شأنها.

الضاضوس هو أيضا “جان فالجان” بطل فيلم ورواية (البؤساء) لفيكتور هيغو أو هو كما شرح بنفسه ذلك “اللص الظريف” روبن هود الذي يسرق من الأغنياء والظالمين ليعطي للفقراء والمظلومين قائلا بثقة نفس: “كلنا لصوص والحمد لله” دون أن يقع في شرك العدالة أو تطاله قبضة مفتش الشرطة المقتفي لأثره طوال مدة الفيلم، مثل المفتش جافير وراء جان فالجان أوالمفتش “كولمبو” وراء سائر المجرمين الذي كان يطاردهم إلى أن يطيح بهم والذي كان دائما يردد:

-” عادة ما تقول لي زوجتي ” رغم أنه لم يكن متزوجا ؟ !

أدى دور المفتش المطارِد للضاضوس بإتقان حِرفي، الممثل إدريس الرخ محيلا على الممثل الراحل بيتر فالك (1927 – 2011) المشهور بأدائه لدور كولمبو وهو دائما مرتدي لمعطف رمادي وممسكا بين أصابه سيجارة دون أن يشعلها ؟ ! إنه بشكل أو بآخر تكريم لهذا الممثل ولشخصية كولمبو السينمائية الأسطورية.

3 –  رفيق جوكير” وماجدولين “لصقة” !

في سياق عنصر التشخيص هذا والذي يبقى أول دعامة ترتكز عليها الشاشة المغربية حتى وإن تربى لدى الجمهور تمة وعي ومعرفة بعنصر المخرج، توفق عبد الواحد في إدارة كاستينغ متكامل حيث لا يمكن كما لا يصح، تفضيل ممثل أو ممثلة عن زميل أو زميلة لهما بدءا من دور البطولة الأول رفيق بوبكر الذي أصبح بالفعل “نردا” أو “جوكيرا” يراهن عليه المخرجون المغاربة لا سيما في الأعمال الكوميدية ضامنين إقبالا جماهيريا مطمئنا.

على نفس الوتيرة والإقناع في الأداء سارت إلى جنبه “شلّة الحراميات” الأربعة لا سيما ماجدولين الإدريسي التي تستطيع – وبسرعة برقية – أن تقلب وجهها من طفلة بريئة ساذجة، أو كما قالت هي عن نفسها من: “معقدة وما باغاش تصاحب” إلى مجرمة محترفة وامرأة “لصقة” تشد على من تراه مشروع زوج “شدّة العما في الظلمة”. كذلك صويحباتها ابتسام العروسي، جميلة الهوني، ساندية تاج الدين وسعاد العلوي، المرأة الكهلة التي ما تزال ترغب في الحرية والعشق زاهدة في “التكشيطة” والحج لكي “تعيش الحياة”. سعاد هذه يمكن اعتبارها من الجيل المخضرم الذي مازال يفرض وجوده بقوة إلى جانب الجيل الحديث ولا يمكن للشاشة المغربية الاستغناء عنه. وعلى نفس الدرجة من الإتقان والإقناع تألق معها زوجها السجين زكريا عاطفي. دون نسيان طبعا الشاب مهدي فولان في دور عشيق “المّيمة “سعاد العلوي، والذي بيّن بدوره عن كعب عال في فن التشخيص، ولا غرابة في ذلك: فابن الوز عوام.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button