حصرياتسينما

“شظايا السماء” بين الوثائقي التقريري والروائي الإيحائي

Fragments from Heaven

نورس البريجة: خالد الخضري

الصحفي محمد أيِّير

في إطار أنشطته الثافية والفنية، قدم  المعهد الفرنسي بالجديدة فيلما وثائقيا تحت عنوان: (شظايا السماء) « » بحضور مخرجه عدنان بركة يوم الأربعاء 15 فبراير 2023 في الساعة 7 مساء بالمركب السينتمائي “سيني أطلس” بكورنيش الجديدة، وقام بتسيير مناقشته الصحفي محمد أيير.

تجري أحداث الشريط في ثخوم الصحراء المغربية المعروفة بتساقط أو مرور النيازيك من حين لآخر، حيث يعيش محمد، أحد البدو الرحل مع عائلته في خيمة وسط الصحراء. ولتغييير الظروف القاسية التي يحيى فيها، يذهب في رحلة بحث عن هذه النايزيك أو “الأحجار السماوية” كما يسميها. بينما في الجانب المقابل يتابع العالم الدكتور عبد الرحمن بحثه عن شظايا هذه النيازيك لكن ليس بغية تحسين أو تغيير ظروف عيشه، إنما بهدف علمي هو البحث عن أصل الأرض والحياة. وهكذا يسير هذان الرجلان في طريقين متوازيين دون أن يلتقيا أبدا.

Deux lignes parallèles qui ne se rencontrent jamais

1 –  خيال عالم Fiction Scientifique  –

الفيلم محكم تقنيا وفنيا ويمكن إعتباره عِلم يقوده خيال وليس خيالا علميا. فهناك رجل حالم يتبع خياله للحصول على مادة علمية نزلت من السماء ليحسن بها وضعه الاجتماعي. بينما عالم آخر يبحث عن نفس المادة ليفسر بها مادة أخرى ومعنى فلسفي: “الحياة”.

محمد البدوي الصحراوي، يذهب رفقة نفر من أبناء قبيلته بعيدا عن خيمته، زوجته وأبنائه بحثا عن قشة في بحر الصحراء، فيتوهون جميعا في فضاء لا متناهي يصبح فيه شبه فليسوف يتأمل حاله وكل ما ومن يحيط به، فيفوه بعبارات هي إلى الأقوال الأثيرة والحِكم أقرب. يقول ذات مساء وهو يتأمل قرص الشمس الأرجواني يغيب وراء كثبان الرمل:

” كأنها نهاية العالم” On dirait que c’est la fin du monde. “لاشيء يتحدى الموت” Rien ne s’oppose à la mort

وحين تطول بهم الرحلة عبر ملتويات ومنعرجات ووهاد وسط عواصف رملية كاسحة يعلق: “إن الطريق هي التي تعبرنا”    C’est la route qui nous traverse

وفي لحظة توهان ودوران فعلي في دائرة مغلقة بين محمد وزميلن له يعلق:

“ندور وندور حتى يكاد يغمى علينا. أنا أبحث وأبحث حتى كدت أنسى ما أبحث عنه !

نحن لسنا تائهين في الصحراء، فالصحراء بداخلنا والزمن تجمد.

ملّت أرواحنا ونخرها اليأس، أفما آن الأوان لترتاح هذه الأرواح؟

وفي النهاية، ألسنا نحن من سقط من السماء ؟

? Le temps c’est cristallisé, l’esprit est d’espéré. N est ce pas le temps que cet esprit trouve la paix

? Et enfin :n est ce pas nous qui sommes tombés du ciel

2 – إدارة اللا ممثل Direction du non acteur

وردت هذه الحورارات وغيرها على ألسنة أشخاص عاديين ليسوا بممثلين، إنهم بدو رُحّل يقيمون بالفعل في تلك الصحاري والفضاءات العارية ذات الطبيعة القاسيىة حيث لا يوجد سوى” الشيح والريح” والتراب ،والرمل، والأحجار، والزواحف، والكلاب، وبئر وحيد يستقي منه العباد والدواب والطير على حد سواء وكأن الزمن بالفعل تجمد وكل ما ومن يقيم هناك لا يترقب سوى نهاية العالم كما ورد في الحوار.

المخرج عدنان بركة

هذا الحوار الذي صاغه السيناريست المخرج لكن أداه أولئك الأشخاص بتلقائية مقنعة. كما كانوا يتحركون بعفوية مطلقة رغم أنهم ليسوا ممثلين. وهذا ليس بالأمر الهين، إذ لاشيء أصعب من أن تطلب من إنسان أن يمثل دوره في الحياة. فربما لو أسند عدنان بركة دور البطولة لممثل محترف لأداه بحرفية أكبر، لكن ذلك الرجل الصحراوي الحقيقي كما زملاءه، لعبوا أدوراهم بدواخلهم وأحاسيسهم وأيضا بخيباتهم وأحلامهم، بآلامهم وآمالهم. الشيء الذي جعل الفليم يتجاوز الوثائقي التقريري ليصل إلى الروائي الإيحائي، وأصبحنا نتعاطف معهم جميعا متمنين أن يجدوا فعلا بعضا من تلك الأحجار السماوية أوشظايا السماء التي قد تنقذهم من براثن الفقر والضياع وسط الفلوات اللامنتهية.

3 – جدارية سمعية بصرية

خلا الفيلم من مؤثرات صوتية مفبركة أو ديكورات معدة خصيصا للتصوير، معتمدا على مؤثرات حية محلية كفحيح الرياح، تغريد طيور لا تُرى، ثغاء أغنام، أصوات الأحجار التي يرمى بها بعضهم بمقالع يدوية وأخرى ترتطم بالأرض، تنفسات صادرة من أنوف ملثمة اتقاء لغبار العواصف ثم الصمت الهادر. وطبعا كان بديهيا أن يحبل الفيلم أيضا بمشاهد طبيعية خلابة كالضباب، دوران الرياح، الزوابع الرملية، سواد الليل الكالح، لمعان النجوم المشعة، الشمس وهي تشرق وتغرب.

ورغم هذا كان لابد للسينما أن تحل بثقلها الثقني الخادع من خلال توظيف المخرج في نهاية الفيلم،  لمشاهد متخلية عن ولادة الكون وانفصال الكواكب والنجوم مع تطايرر النيازك واصطدامها مع بعضها البعض، الشيء أو الأشياء التي منها تكونت الأرض اليابسة بما حبلت به من بحار وجبال وهواء: إنها “الحياة” في النهاية. فكل هذا جعل من الفيلم في مجمله جدارية سمعية بصرية ممتعة.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button