حصرياتمجتمع

شاي الصحراء، نتاج ثلاث “جيمات” أساسية

جماعة، جرُّ، جمر

نورس البريجة: خالد الخضري

1- “شاي في الصحراء” رواية وفيلم

عشق الصحراويون الشاي منذ زمن قديم، وتفننوا في وسائل إعداده وتحضيره كما نظموا أشعارا وأنشدوا أغاني تصف جلساته وطقوسه. والشاي في الصحراء يرمز إلى كرم الضيافة فهو أول ما يقدم إلى الضيف عند وصوله. كما يعتبر صديق البدو والصحراويين الرحل إذ يحرصون على اصطحابه معهم أينما حلو وارتحلوا. ويطلقون عليه بالدارجة اسم “أتاي”. بل إن شهرة الشاي وارتباطه بالمغاربة – لا سيما في الأقاليم الصحراوية – أصبحت عالمية حتى قيل إن الشاي كان من الأجدر أن يظهر في الصحراء المغربية بدل الصين الشعبية.

ومن الأدباء الذين ألهمهم الشاي، الكاتب الأمركي بول بولز الذي ألف رواية تجري أحداثها كلها بالصحراء، حولها المخرج الإيطالي بيرناردو بيرتولوشي إلى فيلم يحمل عنوان الرواية ذاتها هو: (شاي في الصحراء).

2 –  شاي الصحراء لا مذاق له إلا في الصحراء

خلال تواجدنا بمدينة العيون حاليا ضيوفا على الدورة 6 لمهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي والحساني، كنا نجدها عصر كل يوم في خيمة صغيرة تم نصبها ببهو الفندق حيث نقيم، سيدة أربعينية مفعمة نظارة، صحة وبشاشة ب”ملحفتها” الخضراء، تعد وتوزع على نزلاء الفندق كؤوس شاي مكللة برغوة بيضاء ومشفعة بابتسامة طافحة، دون أن تطلب مقابلا “فكلها وإيمانه” فيما قد ينفحها به كإكرامية تستحقها هذه المرأة الصحراوية المناضلة عن جدارة كاملة. تلكم هي السيدة فاطمةُّ بنت محمد التي استقيت منها مجموعة معلومات قيمة عن عملية تحضير الشاي في صحرائنا الحبيبة.

كان أول سؤال بادرتها به عن الاسم الذي يطلق على معد أو معدة الشاي؟ وهل هو حكر على الرجال أم النساء؟ فأجابت:

–  في البداية كان إعداد الشاي وسط الجماعة حكرا على الرجال، بحكم أن المرأة الصحراوية مكانها الرئيسي هو داخل الخيمة لإعداد الطعام والاعتناء بالأطفال وما إلى ذلك من أشغال البيت التي توكل للمرأة بصفة عامة. لكن مع حركية التطور وخروج المرأة للحياة العملية لا سيما في الحواضر، أصبحت تعد الشاي للجماعة سواء كانوا أقارب أو ضيوفا. ويسمى الرجل الذي يكون متخصصا فقط في هذه الحرفة “القيام” لأنه يقوم بإعداد الشاي، كما يسميه آخرون: “لخْدَمْ” لأنه يخدم بدوره الجماعة بإعداد الشاي لها، (نحن في دكالة وعبدة نسميه “الطبايْلي” والكلمة مشتقة من اللغة الفرنسية “لا طابل”).

لكن اللفظة الأكثر تداولا بالنسبة لمعد الشاي والتي أكدها إلي قريبي السيد لغظف بولسان هي: “تِيّايْ” والمرأة “تيّاية”. وصراحة فشرب شاي السيد لغظف له أيضا نكهة خاصة هنا بالعيون، تختلف عن تلك التي تناولتها من يده حين كان يعده  ببيتي في سلا وبنفس العناصر والأكسسورات. فمن خصائص وطقوس شرب الشاي هنا الجلوس أرضا يغير أرائك، إطلاق بخور “بلْدي” فواح بمرجل الجمر الذي به يعد الشاي، ثم ضخ صدرك متى كنت ضيفا بعطر محلي لا زال إلى الآن عالقا بمعطفي. وعموما فشاي الصحراء لا يكون لذيذا إلا في الصحراء.

وللشهادة، فشاي هذه السيدة كما شاي السيد لغظف والصحراء عامة،  له نكهة خاصة ولذة عارمة من الصعب جدا تذوقها في بقية مناطق بلدنا الحبيب ببواديه، قبائله وحواضره. وذلك لتميزه بعدة عناصر معروفة تعتبر قواعد عامة أو بالأحرى شروطا لا يمكن الاستغناء عن واحد منها، أهمها وأشهرها ثلاث “جيمات” يعني 3 كلمات تبدأ كلها بحرف ال “جيم” وهي: “الجماعة” – “الجر” ثم “الجمر”.

القاعدة الأولى هي: “الجماعة” حيث يتم إعداد وشرب الشاي ويفضل أن تكون من الأصدقاء المقربين. القاعدة الثانية هي: “الجر” وتعني طول التحضير وعدم الإسراع في توزيع كؤوس الشاي مما يطيل أو بالأحرى “يجر” توقيت الجلسة إلى ساعتين فما فوق، فيمنح الجلساء فرصة كافية للحوار والسمر كما عقد الصفقات والمعاملات إلخ.خصوصا في رحاب الخيام حيث يشبه وقت الإنسان الصحراوي فضاء عيشه من حيث الرحابة والاتساع، فلا أحد ولا شيء يرغمه على الإسراع. ثم إن مراجعة الشاي في الكؤوس والإبقاء عليه لمدة طويلة في الماء المُغلّى بالمقراش أو “المغرج” باللهجة الحسانية – كما قالت السيدة  فاطمةُّ – يمنح لأوراق الشاي “الور گة” الوقت الكافي لتطلق عصارة مكوناتها وفوائدها الطبيعية في الماء ويتيح للكأس أن يكلَّل برغوة بيضاء مغرية وفاتحة لشهية تناوله، فشاي بدون رغوة يعد ناقصا.

أما القاعدة الثالثة فهي: “الجمر” الذي ينبغي أن يستخدم لعملية التحضير. وطبعا فإن كل ما يُجَهز من طعام على نار هادئة أساسها الجمر أو القش أو الأعشاب الجافة، فإنه يحافظ أولا على قدر كبير من مكوناته الطبيعية وفيتاميناته وثانيا على لذته ومذاقه الأصلي.

3 – شاي رائق بحضور متناوليه

عناصر أو مواد جلسة الشاي هي: الصينية ونسميها الطّبلة – الكؤوس – البراد – المغرج – ثم “الربايع” وهي أواني الفضة التي توضع بها حبوب الشاي “الور گة” – السكر– “العلكة” وهي مادة مستخرجة من شجرة الطلح من فوائدها إزالة صداع الرأس “الدوخة” أو “التدواخ” على حد تعبيرها، وإشعار شارب الشاي باعتدال المزاج، راحة البال وهدوء الاعصاب. ويقال أيضا إنها تُسهم في إحداث رغوة البيضاء التي تكلل الفنجان. ومن طقوس شرب الشاي في الصحراء أن يتم إعداده بحضرة متناوليه وأمام أعينهم. يقول الشاعر الحساني في هذا:

أتاي المــــــــرفود (*)          ما يگلع للتدواخ

ما يسلك من لبرود             ولا يسلك من لمساخ

(*) أتاي أو الشاي “المرفود” هو الذي يعد بسرعة / أي المزروب.

أما الشاعر الموريتاني الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير رحمه الله، فينشد مادحا الشاي وما فيه من فوائد وخصال صحية واجتماعية:

وَإِنَّ لَه فَوَائِدَ وَاضِحَاتٍ      يَرَاها كُلُّ ذِي نَظَرٍ أَصِيلِ

إزَالَةُ حِقْدِ ذِي الْحِقْدِ الْمُنَاوِي     وَتَحْبِيبُ الْخَلِيلِ إِلَى الْخَلِيلِ

وَجَبْرُ خَوَاطِرٍ وَقَضَاءُ حَاجٍ    وَمَعْرِفَةُ السَّخِيِّ مِنَ الْبَخِيلِ

وَفَوزٌ إِن تَعَاطَاهَا النَّدَامَى   بِتَمْيِيزِ الظَّرِيفِ مِنَ الثَّقِيلِ

وَإِيقَاظُ النَّوَاظِرِ مِن كَرَاهَا   وإِبْرَاءُ المُتَيَّمِ وَالْعَلِيلِ

زَادُ مُسَافِرٍ وَمَتَاعُ مُقْوٍ   وَأُنسٌ فِي الْإِقَامَةِ والرَّحِيلِ

وَفَاكِهَةُ الشِّتَاءِ إِذَا تَأَذَّى   وُجُوهُ النَّاسِ بِالشَّمَلِ الْبَلِيلِ

وَتُطْرِبُ مَنْ يُدَرِّسُ كُلَّ فَنٍّ  وتُفْرِجُ كَرْبَ ذِي الْهَمِّ الدَّخِيلِ

وَتُسْلِي كُلَّ صَبٍّ مُسْتَهَامٍ   عَنِ الْخَدَّيْنِ والطَّرْفِ الْكَحِيلِ

وَتَدْفَعُ ذَا التَّلَصُّصِ فَهْيَ أَغْنَى   إِذَا دَفَعَتْ مِنَ السَّيْفِ الصَّقِيلِ

وتُرْضِي الْمُسْلِمِينَ وَفِي رِضَاهُمْ  يُؤَمَّلُ أَنْ يُنَالَ رِضَا الْجَلِيلِ

وَحَسْبُكَ مِن فَوَائِدِهَا بِهَذَا    دَعِ الْإِكْثَارَ مِن قَالٍ وَقِيلِ.

أما عن عدد المرات التي يشرب فيها الصحراويون الشاي يوميا، فإنه لا يقل عن ثلاثة أهمها وجبتا الصباح والعصر. وأحيانا قد يتراوح عدد وجبات الشاي بين ستة وسبع مرات في اليوم.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button